ليلة التحول
تأليف: أحمد موسى | الدولة: الإمارات
كنتُ في العشرين من عمري عندما بدأ حجمي يتقلص، وبدأ ظهري يتقوس، وبدأت أشعر بضمورٍ حادٍ في عضلاتي. كان ذلك في مساء يومٍ مشمسٍ وأنا في طريق عودتي إلى البيت، المكون من غرفتين صغيرتين: واحدةٌ للنوم، والأخرى لقضاء الحاجة.
وكنتُ قضيتُ أربع عشرة ساعة، وأنا أجوب الشوارع، والأزقة، أبحثُ عن عملٍ يُعيلني بعد أن درستُ أربعةَ أعوامٍ في كلية التجارة، وقد استلفتُ سترةً سوداء، وربطةَ عنقٍ سوداء رفيعة، وقميصًا أبيضَ من صديقٍ قديم.
بتُ أحفظ ما أريد قوله عن ظهر قلب، وأردده ليل نهار، وأثناء النوم؛ كلما طرقتُ الباب على صاحبِ عملٍ كنتُ أتحدث إليه، مثل روبوت أو أسطوانة مسجلةٍ بدقةٍ عالية الجودة.
«أنا لهيف وثيل، خريج من كلية التجارة، ولدي العديد من الشهادات التطوعية والتدريبية، ولدي خبرة جيدة في صنع الشاي والقهوة، ولدي مقدرة جيدة على الترتيب وحفظ نظافة المكان، وأبحثُ عن عملٍ منذ عامين، هل لديكم شاغرٌ ما...؟»
كانتْ جميع ردودهم واحدة: «اترك أوراقك وسنتصل بك لاحقًا!».
أما اليوم فكان الأمر مختلفًا؛ لقد طُردتُ ثلاث مراتٍ ووُصفتُ بالمتسول القذر، ولم أكن أعلم ما هذه الصدفة بهذا الفعل لهذا اليوم تحديدًا.
سئمتُ نفسي عندما قيدني آخرهم، ومزق سترتي، واتصل برجلٍ صديقٍ لهُ يعمل في السلطة، وصار ينظر إلي نظرةَ مجرمٍ حقير، وأمسك طرف سترتي باشمئزاز، بعد أن لطمني على وجهي بقوة، حتى شعرتُ بحروقٍ شديدةٍ على خدي الأيسر، وصرفني خارجًا ثم ركلني بقدمه العفنة، وبدأوا يضحكون كالحمقى وهم ينظرون إلي، وأنا أجر نفسي عائدًا من حيث أتيت!
سرتُ بخطىً هزيلة، لا أعرف إلى أين أذهب، وماذا أفعل؛ فكرتُ في الانتحار، قضيتُ وقتًا لا بأس به وأنا أُفاضل بين أن ألقي نفسي تحتَ سيارةٍ كبيرة، أو أن أنفض أحشائي بسكينٍ ما. وسوستُ لنفسي قائلًا:
«إن هذه الحياة مظلمة، ولا يحق لنا العيش فيها، إنها ليست لنا، إنها بلاد الأقوياء، وحياة الأقوياء، أصحاب الأموال والسلطة، هم وحدهم الذين يمتلكون القوة، ويستطيعون العيش في هذه البلاد، أما نحن الضعفاء الفقراء فليس لنا حياة هنا، ولا يُرغبُ فينا، الجميع يرانا سفهاء، وضعفاء، وقليلي شأن، كم نحن مقززون في نظر هذا المجتمع الظالم!».
لكني جبان في اتخاذ قرارٍ حقيقيٍ بهذا الشأن. بقيتُ أسير على طول الشارع الذي تحدّه من الجهة الشمالية حديقةُ أشجار كبيرة، ومن الجهة الجنوبية مبانٍ قديمة مضى على عمرها عدة سنوات.
عندما بدأت أقترب من نهاية الشارع شعرتُ بدوارٍ شديد، وكنتُ أتعرق بغزارة، وأشعر بأن حرارة جسمي تهبط من رأسي بسرعة، وأصاب بالغثيان، وكأن معدتي قد انقلبتْ بأكملها. حاولتُ التركيز والبحث عن مكانٍ أستلقي فيه، حتى أستعيد توازني، لكني لم أجد إلا ثغرةً صغيرةً في سياج الحديقة المجاورة؛ أظن أن كلاب الحي قد افتعلتها، حتى تتمكن من الدخول والخروج بحرية. لم أتردد في خوض تجربةَ الكلاب تلك في التسلل، والاستراحة بين الأشجار والحدائق!
مددتُ جسمي العلوي داخل الثغرة، ووضعتُ كفي على الأرضية الترابية، وسحبتُ قدمي إلى الداخل بهدوء كي أتجنب تمزق جسمي بفعل السلك الشائك الموضوع على حواف الحديقة بأكملها. مشيتُ بضع خطوات على أطرافي الأربعة، وابتعدتُ عن الثغرة قليلًا، ثم وقفتُ ونفضتُ الرمل والغبار الذي التصق بثيابي، كان أمامي الكثير من أشجار الرمان، والزيتون، ونخلتين أو ثلاث، وشجرة تينٍ عملاقة، وبضع خضراوات موسمية.
الأرض نظيفة جدًا، وخالية بعض الشيء من الحشائش الضارة التي تصاحب الخضراوات. أحسستُ بأن حيويتي بدأتْ تعود وأنا أتلفتُ يمنةً ويسرة بين هذه الطبيعة، وكأن روحي قد التحمتْ بكل عناصرها وخصائصها. مقابلي تمامًا بعض بيوت النحل المستخدمة في إنتاج العسل، وكان على جوانبها الكثير من الأزهار المتنوعة، وبعض أشجار الحمضيات والتي لم أستطع تمييز نوعها بدقة.
جلستُ، وسندتُ ظهري إلى إحدى أشجار النخيل، وأنا مندمجٌ جدًا بهذا المنظر المريح، وأراقب النحل وهو يتسول بين الأزهار سريعًا، ثم يعود إلى بيته ويقوم بعمله على أكمل وجه. ما شد انتباهي في ذلك الوقت، بين كل هذا هو شجارٌ حاد بين نحلةٍ تسير على الأرض بتخبط وهي تلعن كل شيء أمامها، وقد أصيبتْ بضجرٍ لا مثيل له، بعد أن حاولت الطيران مرارًا ولكنها كانت تهوي في آخر الأمر، وبين نملةٍ كبيرة تركض نحوها، وتضربها بأرجلها الأمامية على رأسها وتحاول انتزاع أجنحتها بفمها الذي يشبه المقص. للحظة تيقنتُ أن هذه النحلة المسكينة بحاجة ماسة للمساعدة العاجلة، أخرجت ورقةً من سترتي، وطردتُ النملة بعيدًا والتي كانت بدورها تشتمني بأشد اللعنات، ورفعتُ النحلة إلى إحدى الأغصان القريبة من موضع جلستي. سارتْ إلى الأعلى بعد أن ألقت التحية عليَّ برأسها؛ رددتُ عليها بتحيةٍ مشابهةٍ، وأنا أبادلها الابتسام، وعدت للنهوض. كان مزاجي قد تحسن قليلًا، وشعرتُ بالفخر لِمَا فعلتهُ من أجل تلك المسكينة. «نحن لسنا بحاجة إلى القوة حينما يتوجب علينا مساعدةُ أحدهم، نحن بحاجة إلى الإنسانية فقط!».
تمتمت لنفسي بذلك وخرجتُ من الحديقة، وأنا أُودّع الأشجار التي كانت تبتسم لي بحب، وتتحرك بلطفٍ وهي تصدر نغمةً جميلة وكأنها تؤدي رقصةً خاصة في التوديع.
سرتُ على جانبِ الشارع بهدوء، صافي الذهن، مرتاح البال، وقد رُسِمَتْ على شفتيّ ابتسامةً عريضة. كانت الطريق تتزين بالفتيات المراهقات وهنَّ يتضاحكنَ ويتغامزن فيما بينهنّ، ويرتدين حقائبهنَّ المدرسية؛ بينما الباعة المتجولون من الأطفال والفتيات الصغار يتسولون من الجميع بطريقةٍ شرعية! وهم يحملون علب العلكة، والبسكويت، ويتعلقون ويتوسلون الجميع أن يشتروا منهم، بينما تلاحقهم السلطات وتهرب من أمامهم الفتيات، ويصرخ في وجههم الشبان!
كانت ملامحي تبهت من جديد، وعيوني أخذت تتورم. وكلما تقدمتُ بضع خطواتٍ جديدة، أشعر بأنني أسير بصعوبةٍ بالغة وكأن لياقتي قد فُقِدَتْ فجأة، جاهدتُ نفسي أكثر على المسير، وخفقات قلبي تزداد أكثر فأكثر، وجسمي يتعرق بغزارة، وأنا أتمايل في عرض الشارع كقطٍ جائعٍ مشرد، ونظري يتراجع بشكل ملحوظ؛ فقدتُ مقدرتي على الوقوف بشكلٍ ثابت، وأصبح الألم يتمركز في عمودِيَ الفقري الذي بدأتُ أحس بانحنائه!
استندتُ إلى جدران المباني المجاورة، وجررتُ نفسي بخطىً ثقيلة. لا أعلم كم من الوقت قضيتُ وأنا على هذه الحالة، ولكن في كل الأحوال كان الليل قد أسدل ستاره، وخَلتْ الشوارع والأزقة من الآدميين، وأغلقتْ جميع المحلات التجارية، ولم أكنْ أسمع إلا عواء الكلاب، وشتائم القطط وهي تخوض معاركها الملحمية مع بعضها!
أسير وأنا أتلفتُ يمنةً ويسرةً، برعبٍ شديد، بينما تتمايل الظلال من جانبي ومن أمامي، وخلفي، وكأنني مراقب من جميع الاتجاهات!
عندما اقتربتُ من باب المبنى الذي أسكنُ فيه، صرختُ بأعلى صوتي، لعل أحدهم يأتي ويخلصني من كل هذه الوحدة والألم والخوف، ولكن ما أرعبني أكثر هو فقدان قدرتي على الصراخ، وأصبح صوتي يسمع كذبذبات نملةٍ صغيرة، أعدتُ المحاولة مرةً أخرى. قلت لنفسي: «لا بد هناك خطأ ما». ولكن دون جدوى. اقتربتُ من مقبض الباب الذي أصبح فوق رأسي، ولم يعد بوسعي الاعتدال حتى أفتحهُ، حاولتُ التقاطه، قفزتُ، ولكن أيضًا دون جدوى. كانت قفزتي لا تتعدى الملميترات، لقد فقدتُ حيويتي وطاقتي بالكامل، أصبتُ بصدمةٍ حادة مما حصل لي. وكأنني في حلمٍ مرعب، ضربتُ الباب بقبضتي بقوة، حتى تألمتُ أشد الألم، وأنا أسمع طقطقةً في يدي، صرختُ بأعلى صوتي، وعضضتُ على يدي الأخرى بقوة؛ ولكن ما أذهلني وأفقدني قدرتي على الشعور هو أنه لم يعد في فمي أسنان!
تحسستُ لثتي بخوف شديد، تحسستُ وجهي، وعَينَي، وأنفي، وشفتي، وشعري، حتى أتأكد من أن كل شيء على ما يرام، يا إلهي ماذا حصل؟ ماذا يجري لي؟ أصبح وجهي لزجًا أكثر من اللازم، وعيناي تضيقان كثيرًا، وأنفي يختفي شيئًا فشيئًا ويتساوى مع وجهي ويلتصق به، وشعري يسقط بغزارة مريعة، وأُصبتُ بضمورٍ حادٍ في حجم رأسي، تحسستُ جسمي، وإذ بحجمه يتقلص، وحرارته تتراجع، وملابسي تتسع على جسمي، وأحسستُ بفضفضتها كثيرًا.
أُصبتُ بالعجز عن فعلِ شيء، منذهلًا مما يحصل لي، ومتعبًا أشد التعب، كأنني مصابٌ بإعياءٍ بالغ الخطورة، لم أستطع الوقوف أكثر من ذلك، همدتُ على الأرض كعجوزٍ هرم، وبكيتُ بعجزٍ تام وأنا أنظر إلى يديّ وقدميّ، وجسمي وأردد: «يا إله القوة، يا إله كل شيء، ماذا حصل لي؟ لماذا أصبتُ بكل هذا الضعف، وكل هذا الإعياء؟ ماذا يجري لي؟».
كنتُ أشعر ببرودةٍ حادة، تعصر عظامي، وتنهش جسمي، لم أستطع الجلوس أكثر من ذلك. بدأتُ أصابُ بنوبات أفكارٍ وهلعٍ مخيف، وأنا أتساءل في نفسي، وكأنني اثنان: أحدهما يفكر ويقترح، والآخر ينفي ويؤكد.
- ماذا لو أصبحتُ جرثومة الآن؟
- لا، لا؛ هذا مستحيل. لا يمكن حدوث ذلك!
- هل هذه أعراض الموت؟ هل سأموت؟
- لا يجدر بي الموت الآن؛ لم أفعل شيئًا حتى أستحق الموت بهذه الطريقة!
- لماذا حجمي صَغُرَ هكذا؟ هل هذا بسبب قلة النوم والطعام؟ يا إلهي لم آكل منذ أيام!
- نعم، لا بد أن هذا هو السبب!
- أجل، لا بد من ذلك! سأكبر وأعود كما كنتُ الآن عندما آكل!
- يا إلهي!
- ماذا سأفعل إن لم أجد شيئًا من الطعام ككل ليلة! هل سأختفي في الصباح؟
- لا بد من وجود خبزٍ يابس!
- نعم، لا بد من ذلك! سأجد الخبز وأغمسه بالماء الدافئ! أجل ... أجل!
- سأعود إلى حجمي الطبيعي!
قلتُ ذلك كله وضحكتُ بأملٍ وعجزٍ كبيرين! وتعلقتُ بأطراف الباب، بعد أن اقتنعتُ تمامًا بأني يجب أن أحصل على الطعام حتى أعود كما كنت في السابق؛ طويل القامة، متسع العينين، وذا حيويةٍ عالية!
التقطت مقبض الباب، وتعلقتُ بأطراف أصابعي على حوافه السفلية، وأدخلتُ المفتاح، ولكن وجدتُ صعوبةً شديدةً في إدارته، لقد كان متينًا جدًا، حاولتُ مرةً أخرى بكلتا يدَي، وأنا أعض قبضة البابِ بفمي، وأخيرًا أدرته مرة، ابتسمت لهذا؛ وإذا بي أنسى القبضة الموجودة بين شفتيّ وأسقط على ظهري، صرختُ بقوة بعد أن شعرتُ بألمٍ حاد، وكنتُ قد انقلبتُ على ظهري مثل السلحفاة، ولا يمكنني قلب نفسي.
حاولتُ الانقلاب مستعملًا أطرافي ولكنني وجدتُ هيكلي يستدير بشكل دائري. كنتُ على وشك فقد الأمل، وأنا أحاول وأحاول... حتى تعبتُ وتوقفتُ عن الدوران، شعرتُ بالإرهاق الشديد، لم يكنْ أمامي إلا النواح بهدوء وأنا أنظر إلى السماء؛ كانت صافيةً تمامًا، والقمر يسير بهدوء وأنا أراقب حركته، أدرتُ رأسي نحو الباب قليلًا، وعدتُ للنظر إلى بطني وأنا أتحامل على رقبتي بصعوبة، كأنني أتفقد ما قد حصل لي، بأسىً وحزنٍ شديدين!
تلَفَتُّ حولي، أبحثُ عن شيءٍ يساعدني على الوقوف، ولكن في كل مرة كنت أصاب بيأسٍ أكبر، عدتُ للنظر إلى القمر، ولكنه استغل انشغالي في التفكير وأصبح يسير خلفي، كان عليّ إدارة رأسي إلى الوراء بشكل مؤلم حتى أراه!
تنهدتُ وحاولت تحريك نفسي حتى أتمكن من النظر إليه بزاويةٍ مريحة، وإذا بإحدى قدميّ ترتبط بشيءٍ ما، حاولتُ سحبها ولكن دون جدوى، كان ذلك مؤلمًا جدًا ويصيبني بالقشعريرة، لم أستطع احتمال كل ذلك الألم. أدرتُ نفسي بقوة وأنا أسحب قدمي، فإذا بي أنقلب بسرعةٍ على بطني، سحبتُ قدمي، وجررتُ نفسي بهدوء حتى وصلتُ إلى عتبة الباب. كنتُ متعبًا جدًا من كل ذلك، نظرتُ إلى القبضة مرةً أخرى وأنا أتنهد. خائفًا من القفز هذه المرة، خشيتُ من أن أكرر السقوط، أو أن يقضى عليّ تمامًا. شرعتُ أفكر وأنا أشيح برأسي هنا وهناك، وأتنفس بصعوبة، ولكن لم يكن لدي خيارٌ آخر؛ يجب أن أستعيد حجمي بسرعة...!
قفزتُ على الباب وتمسكتُ بقبضته، كان يصيبني ألم حاد يشبه التمزق العضلي، ينهش ذراعيّ، تشبثتُ بقوةٍ أكبر خشية السقوط وأنا أبكي؛ كانت أنفاسي تزداد، وعيناي تذبلان من الألم، أصبح جسمي هزيلًا جدًا وأصبتُ بحُمّى مُهلكة. وكانت القبضة تتملص من بين أصابعي. وأخيرا فتح الباب عندما أصبح ثقل جسمي يُحمل على أطراف القبضة.
سقطتُ على بطني هذه المرة على حافة المدخل، كنتُ متعبًا جدًا ومُجهدًا، نظرتُ أمامي بفخرٍ لما فعلته هذه الليلة، وأغمضت عينَي.
رأيتُ نفسي أقف على حافة طبقٍ عملاق طوله متران وعرضه متر ونصف، ورائحة الطعام المنبعثة منه زكية جدًا، وكان يجلس إلى جانبه سيدٌ سمين، وله وجهٌ مستدير، وعينان واسعتان، وأنفٌ مذبب، ويرتدي ثيابًا غالية الثمن، ربما أحتاج أعواما وأعواما من التوفير حتى أتمكن من ارتدائها، ويملأُ أصابعه بالخواتم الفضية والذهبية، وينظر إليَّ بكِبرٍ عظيم، وكانت تجلس على جانبه الأيمن امرأة مذهلة، بصدرٍ عارٍ، ومن الجهة الأخرى امرأة أجمل. يا لسعادته بهذا النعيم، ما أجمل المال، والطعام، والنساء! شعرتُ بغصةٍ حادةٍ في قلبي، كان يأكل بشراهة مروعة من اللحم المشوي الموضوع أمامه، وهو يستعمل كلتا يديه، كنتُ أشعر بالجوع الشديد وبالضعف القاتل، تقدمتُ خطوتين نحوه وركعتُ بالقرب منه وقلتُ لهُ متوسلًا:
- سيدي أيها الملك، القوي، العزيز، يا صاحب المال والسلطة، إنني أشعر بالجوع ولم آكل اللحم منذ شهرين أو ثلاثة، يا سيدي الكريم، هل تمنحني قليلا منه، لأطعم نفسي وأهل بيتي!؟
كنت أتحدث إليه وأحاول منع نفسي من البكاء أمامه، وأنا أشعر بامتلاء عيني بالدمع، وبضيق في صدري، وارتجاف شفتيّ بهذا التوسل، ظننتُ أنني سأحصل على شيءٍ من الطعام يعيد لي عافيتي، ولكن طلبي هذا زاد غضبه وصار يلعنني، ويبصق في وجهي بقايا الطعام المتعفن الملتصق بين أسنانه، وهو يقول لي:
- أيها الحشرة القذرة، هل تحسدني على الطعام، بتوسلك هذا، أيها الفقير القذر، البائس! لا يحق لكم أن تأكلوا من أكلنا ولا أن تشربوا من شربنا، أنتم قاذورة وذباب، كان عليك أن تقبِّل يدي لأنني أجعلك تعمل في بيتي مقابل أن أطعمك، وجبةً واحدةً في اليوم! أنتم خلقتم على هذه الأرض لخدمتنا فقط، لا يحق لكم الطلب، أنتم عبيد تنفذون ولا تطلبون، تتوسلون ولا تأخذون!
قال لي ذلك ودفع الطبق بقدمه وبعثره على الأرض، كانت دموعي تسقط رغمًا عني، وألم ظهري يزداد أكثر فأكثر، وكأن سكينًا كبيرة تغرس في أحشائي وتقطعها من الجوع، لم أتردد في محاولة أكل شيء من الطعام المبعثر، إذ به يقف ويضربني بقدمه على بطني، وهو يقول:
- متسولٌ قذر، أخرج من بيتي...!
فتحتُ عيني من شدة الألم، نظرتُ حولي لم أجد شيئا؛ كان الظلام يملأُ كل شيء من حولي، حمدتُ الله أنني كنتُ أرى حلمًا، ولم يحصل ذلك حقيقةً، وقفتُ في مكاني وتحاملتُ على نفسي، وبحثُ عن شيءٍ من الطعام، بحثتُ في الغرفة وتحت الفراش، وبين الأواني، وفي زوايا البيت، ولكنني لم أجد، كان جسمي يتعوج أكثر.
سرتُ ببطءٍ شديد حتى وصلتُ إلى الغرفة، كانت الفوضى تعمّ المكان، ثيابٌ ملقاة، وأواني فارغة تملأ المكان، وفتاتُ أوراقٍ ممزقة. خلعتُ سترتي، بصعوبةٍ وأنا أتألم بشدة في كتفيّ، وظهري، وذراعي، حتى بكيتُ من ذلك الألم، وألقيتها في وسط الغرفة. كنتُ أشعر بالتقشف وبحكةٍ حادة في بلعومي، رغم حبي وتفضيلي للصيف، إلا أنني لم أستطع تحمل هذه الحرارة، وبدأت أبحث في أركان البيت عن بعضٍ من الرطوبة قبل أن يُقضَى عَلي، كانت حرارتي مرتفعة جدًا، وكنتُ بالكاد ألتقط أنفاسي، وأصبتُ بصداعٍ لا مثيل له على الإطلاق، وأحسستُ بتغيراتٍ بيولوجيةٍ رهيبة في جسمي، بتُ أشعر بأن معدتي أصبحت أعلى من القلب في موضعها، وكان يخرج من جبهتي قرنان صغيران، حاولت تحسسهما، ولكن يداي تقلصتا جدًا، ولم يعد بإمكاني الاستفادة منهما، وكنتُ أشعر بألمٍ حادٍ جدًا أسفل بطني، اقتربتُ من إحدى زوايا الغرفة، وأنا أتسكع، كالمخمور، كانت رطبة جدًا وتنتشر بها بعض قطرات الماء، ومناسبة لحرارة جسمي الجديد، تكورت على نفسي بشكل جيد، ووضعتُ رأسي بين قدمي، وغفوت من التعب.
لا أعلم كم من الوقت أمضيتُ بتلك الحالة، هل كان عليّ أن أحسبهُ بالساعات، أم بالدقائق، أم بالثواني؟ ولكني شعرتُ بأن الألم قد زال تمامًا، كنتُ سعيدًا بهذه الراحة التي لم أنعم بها كل تلك المدة، ولكني لم أزل أتحسس من حرارة الجو المرتفعة. أخرجتُ رأسي، وهممتُ بالمسير، وأنا أتلفّتُ بهدوءٍ في المكان، وأحاول التعرف على الأشياء بالرائحة، كانت قدماي قد اندثرتا تمامًا، وأصبحتُ أشعر بقدمٍ عضليةٍ واحدةٍ فقط، وأصبح جسمي رطبًا جدًا ولزجًا، وكان يلتصق بي مجسمٌ جيريٌ متين، يُشعرني بالدفء وبالاطمئنان، وبرز لي قرنان آخران في رأسي، يحملان عينيّ عليهما، وكنتُ أشعر بأن حاسة الشم لدي أصبحت متطورةً جدًا، تستقبل أدق الروائح.
حاولتُ السير ولكن شعرتُ بوجعٍ شديد أسفل جسمي، كانت الأرضية التي أسير عليها جافة جدًا، وصار نظري يتراجع كثيرًا حتى أصبحتُ لا أرى إلا تخيُّلًا، كنتُ متحمسًا جدًا لأرى نفسي الجديدة في المرآة، كانت حركتي بطيئة جدًا، قضيتُ وقتًا لا بأس به وأنا أسير على حواف الجدران، حتى وصلت إلى بوابة الخروج من المنزل، كان الباب مفتوحًا منذ دخولي، والهواء القادم من الخارج قبيل دقائق الفجر بقليل، منعش ويغذي الروح.
أصبحتْ حركتي أكثر رشاقةً، وبقيتُ أسيرُ حتى وصلت إلى عتبة الباب، كانت هناك بقع ماءٍ صغيرة، تضيء أثر انعكاس مصابيح الطرقات عليها، وكنتُ متعبًا وبحاجة ماسة لرشفةِ ماء، اقتربتُ منها وخفضتُ رأسي قليلًا وأخرجتُ لساني وشربت، حتى ارتويت. خفضتُ عَينَي أكثر لأتمكن من رؤية نفسي. فصُدمتُ بخوفٍ شديد وتراجعتُ عدةَ خطواتٍ إلى الخلف.
شعرتُ بالحزن الشديد، وكأنني أصبتُ بهمٍ لا مثيل له على الإطلاق، جررتُ نفسي وذهبتُ إلى المحاصيل المجاورة وأنا أخفض رأسي من الحزن، والبؤس الذي أصابني. كانت تقابلني الكثير من الحلزونات متباينة الأحجام، منها بحجم العقلة ومنها بحجم الكف، ويبدو أنني كنتُ أكبرها حجمًا!
شعرتُ بجوعٍ مؤلم، وخشيتُ إن لم آكل الآن، سيزداد وضعي سوءًا وربما أُسخَطُ أكثر من هذا، أو ربما أصبح دودة مقززة! فقد مرّ وقتٌ لا بأس بهِ على عدم تناولي أي لُقيمة!
كانت جميع الحلزونات والديدان الموجودة تنظر إليَّ نظرةَ حبٍ واطمئنان لا مثيلَ لها، ولم أشعر بها قط في أعين الآدميين الذين كنتُ أتعايش بينهم!
تابعتُ المسير، دون أن أتحدثَ إلى أي منها، حتى وصلتُ إلى إحدى أوراق الخس الملقاة، قضمتُ القليل منها، وتابعتُ سيري ببطء، لم أكن أدرك بعد أنني أصبحتُ كائنًا مخنثًا! إلا عندما حاول أحد الحلزونات الذي يصغرني قليلًا الالتصاق بي، فتهيجت أعضائي التناسلية الذكورية والأنثوية على حدٍ سواء!
خلصتُ نفسي منه بعد أن لعنته وعضضته، وهربتُ إلى أحد الجذوع القريبة، شعرتُ بالقرف والتقزز من كل شيء، وددتُ البكاء ولكنني خشيت من استهزاء هذه الكائنات مني رغم لطفها وبشاشة وجهها! فيبدو أنها تتعايش مع كل هذه الظروف بشكل طبيعيٍ جدًا وهي مستمتعة بهذه الحياة التي تعيشها!
وقفتُ على الجذع أراقبهم وأشم رائحتهم وهم يتزاوجون، وأراقبهم وهم يتلاعبون ويتضاحكون، ويأكلون. أصبتُ بكآبةٍ وحزنٍ عظيمين مما قد حصل لي، لقد كنتُ آدميًّا، ذا هيئةٍ مقبولة، لولا الفقر وهذا الألم الذي حل بي فجأة، وغيّر من هيئتي إلى هذا الشكل الفظيع!
لم أتمكن من تقبل هذه الفكرة أن أتحول وتتبدل هيئتي الآدمية القوية البسيطة الجميلة، إلى حيوانٍ، أو حشرةٍ ضعيفة، ورخوية، حاولتُ تسخير دماغي للتفكير في طريقةٍ أستعيد بها نفسي، وأنا أتساءل عما حدث لي هذه الليلة، أعدتُ التفكير بكل شيء منذ خروجي للبحث عن عمل مرورًا بالألم الذي مسني، وصولًا إلى هذا المكان وعلى هذه الهيئة، كنتُ متعبًا جدًا؛ لم أستطع التفكير بشكلٍ جيد، وكنتُ مضطربًا، فبدأت أشعر بخللٍ في إفرازاتي الهرمونية، ما جعلني أفقد السيطرةَ على نفسي وأسقط، وبشكلٍ فطري رأيت نفسي أحتمي داخل القوقعة التي أصبحتْ تشكل بيتي ومأمني، والتي أشعر بثقلٍ شديدٍ وأنا أحملها، وأسير بها ذهابًا وإيابًا، ما حاجتي إلى كل هذا التعب! يا إلهي ماذا جرى؟ ماذا فعلتُ بنفسي؟ ماذا فُعِل بي حتى أتحول هكذا إلى هذا الشكل؟!
بكيتُ وانتحبتُ داخل القوقعة، بصوتٍ مختنق، وأنا أفكر في طريقةٍ أستعيد بها آدميتي المسلوبة. وحينما هدأتُ قليلًا سمعتُ ذبذبة أصواتٍ وأحاديث جانبيةً كثيرةً من حولي...
كان يقول أحدهم: «يا له من مسكين!».
ويقول الآخر: «لا بد أنهُ لم يأكل منذ أيام!».
ويقول صوت ثالث: «لا بد أنه تعرض لإهانة قاسيةٍ حتى أصبح مثلنا!».
ويقول حلزون رابع: «ملعونٌ هذا الفقر الذي غير من هيئتنا!».
اجتاحتني السعادة بعض الشيء، لقدرتي على فهم الذبذبات اللغوية القادمة، وكررتُ ما قالهُ الصوت الأخير بينهم... «ملعونٌ هذا الفقر...!».
وخرجتُ من قوقعتي بسرعة، وأنا أنظر إلى جميع من أتى من الحلزونات، والديدان، والفراشات، وصرختُ بهم متسائلًا بذهول:
- هل كنتم آدميين؟!!!
قالوا جميعهم بصوتٍ واحد، وكأنهم مصابون بلعنةٍ جماعيةٍ وهم يتأسفون على أنفسهم، وينكسون رؤوسهم:
- نعم، لقد كنا؛ لولا الفقر والجوع والإهانة!
فقلتُ باستغرابٍ وخوفٍ شديد:
- وهل سنبقى هكذا بقية حياتنا؟!
فقالتْ دودةٌ كبيرة لها عددٌ كبيرٌ من الأرجل وهي تبكي:
- كنتُ فتاةً مذهلة، ولي بشرةٌ صافية وناعمة، وأتزين بشعرٍ بنيٍ يصل إلى خاصرتي، وتميزني عيونٌ جميلة ونظرةٌ حادة، ولكن ماذا حصل؟ لقد أصبحت دودةً على هذه الهيئة، كما ترى، لأنني فقيرة وابنة عائلة فقيرة، لقد حصل كل ذلك عندما حاول أحد أفراد السلطة الأقوياء الأغنياء سلب جسدي رغمًا عني، لقد بصق في وجهي، وبال على جسدي، وهو يضحك كالسكير، ونعتني بالقاذورة العفنة، وحرمني الطعام والشراب والمنام!
وقالتْ فراشةٌ صغيرة، ذات لونٍ رمادي، ومنطفئ:
- «لم أنعم بيومٍ جيدٍ منذ ولادتي، كان الجميع ينعتني بالطفلة القذرة، وكانوا يسمونني شؤم الحي؛ لأنني أجلس على مفترقات الطرق لأتسول، وأستيقظ مبكرًا لأبحث عن بقايا الطعام في سلاَّتِ المهملات، وعن بعض الألبسة القديمة. قضيت أيامًا لا بأس بها، بصحبة البرد والجوع!»
وقال حلزونٌ صغير، يبكي بشدة وهو بحجم عقلة أصبعي عندما كنتُ آدميًا:
- «كنتُ عاجزًا وأكره حياتي جدًا، لأنني لا أستطيع إحداث أي تغييرٍ جذريٍ فيها، كنتُ أتعرض للضرب دومًا من الجميع؛ من أمي، وأبي، وإخوتي، كان الجميع يطلب مني العمل، وعندما لا أعمل كنتُ أحرم من وجبتي في المساء. وذات يوم كانت لدي رغبة في أن أصبح تلميذًا في إحدى المدارس الكبيرة التي أجمع الخبز اليابس منها كل مساء، وعندما ذهبتُ إليها وطلبتُ من المدرسين تعليمي ووضعي في أحد فصولها، صاروا يتضاحكون ويسخرون من هيئتي الفقيرة، وطردوني...!»
بقيتُ أستمع إلى قصصهم واحدًا تلو الآخر، لم يكنْ باستطاعتي مواساةَ أحد فيهم، كنتُ أكتفي بالبكاء على دموعهم، وقصصهم، جميعنا أصبنا بلعنة الفقر، والذل. لم يكنْ تغير هيئتنا، ومظهرنا، وفسيولوجيتنا صدفة، هكذا هو العالم يتغير تدريجيًا؛ على قدر ما تملك من المال والسلطة، من آدميٍ مُعَزّ، إلى حشرةٍ مُذَلَّةٍ، أو ربما إلى حيوانٍ مفترسٍ وبشع، حسب القدر، والطريقة التي يتعرض لها الفرد من الذل والإهانة في هذا المجتمع!
وفي أثناء حديثنا، اقترب منا حيوان ما بين الكلب والإنسان، يبدو أن هيئته ستتغير وتتبدل وسيصبح كلبًا كبيرًا. وقف مقابلنا وبدأ يتحدث:
لقد مرت عدة سنواتٍ وأنا على هيئة كلبٍ لقيط، ومشرد، قبل أن يعتني بي أحد الآدميين الأقوياء من أغنياء السلطة الحاكمة؛ أصبح يطعمني، ويسقيني، ويجعلني أنام على باب بيته، مقابل الحراسة التي أقدمها له ليلًا ونهارًا، وها أنا... كما ترون؛ لقد بدأت هيئتي ترجع إلى سابق عهدها، وإلى آدميتها. إن الطعام والمال يجعل لنا قيمة وصورة جميلة حتى في هيئتنا! لا أعلم كم من الوقت سأحتاج حتى أعود إلى كامل هيئتي القديمة، ولكنني سأعود بالتأكيد؛ وها أنتم كما ترون لقد تحولت إلى كلبٍ، وعندما أصبحتُ ذا قيمةٍ وألازم الأقوياء والأغنياء، وأصحاب النفوذ، صرت أنال كل شيءٍ أريده من الاحترام، والطعام، والمأمن وأواجه الفقراء التعساء أمثالكم، الذي يتسولون ليلًا ونهارًا، بين الأزقة! إن كنتم تريدون استعادة آدميتكم، ها أنا أقولها لكم... إن كنت تريدون أن تعودوا كما كنتم آدميين، سأساعدكم في ذلك.
قال ذلك، فهتف الجميع:
- كيف؟ هيا قل لنا! نتوسل إليك!
فقال وهو يضحك بنشوة المنتصر:
- يا أصدقائي الأعزاء، إنني مؤمنٌ بقضيتكم هذه وبحاجتكم الماسة إلى أن تعودوا إلى هيئتكم الأصلية الجميلة، كما ولدتكم أمهاتكم، وأنا مستعدٌ لأساعدكم، ولكن عليكم أن تساعدوني في البداية لأكون سيدكم، وأن تنفذوا كل ما أطلبه منكم بدقة، فإن أصبحتُ قويًا وذا نفوذٍ أكبر سأجعلكم ترافقونني حتى تعودوا كما كنتم...!
لم تعجبني هذه اللهجة، رفعتُ يدي وطلبتُ الاستئذان، وقلتُ له قبل أن انسحب من المكان:
- أنا مستمتعٌ بهذه الهيئة الجديدة، لا أريد العودة، ولا أحب المقايضات...!
كان يضحك بينما أنا أنسحب من مكاني إلى جذع شجرةٍ قريبة. كانت جميع الكائنات المجتمعة ترى بأن هذا الحيوان الغريب، إنسان عظيم ومنقذ صادق، وهذه النظرة التي منحها إياه الجميع كانت كفيلة بجعله يتحول أمام عيوننا جميعًا من كلب، إلى آدمي، وكأنهُ فِعلُ ساحر، كان الجميع منذهل بهذا التحول الكامل، وكانوا ينظرون إلى أجسادهم ربما يكون قد أصابهم شيءٌ من هذا السحر...!
وعندما استعاد كامل هيئته الآدمية، صار يضحك وقد أصابته نوبةٌ من السعادة، وذهب وترك الجميع! أدركتُ مما حصل أن نظرتنا للأشياء بجانب المتغيرات الأخرى هي التي تغير هيئتنا، ربما يتغير من كلبٍ لقيط وأجرب، إلى آدميٍ محترم، أو ربما من إنسانٍ طيب إلى حشرةٍ قذرة. المال والاحترام، هما ميزان هذا العالم!
وبعد وقتٍ يسير، جاء أحد الآدميين الغرباء وكانت ملامحه وملابسه وطريقة كلامه غريبة إلى حدٍ مزعج، وبدأ يأمرنا بأن نخرج من بين المحاصيل بسرعة، وهو يخوض تفاوضًا حثيثًا على المبلغ الذي سيبيع به المحصول مع أحد التجار، بعد أن دهس بعض الحلزونات بقدمه الثقيلة، وحطم جمجمتها. وهو يقول:
- استمعي لي أيتها الحشرات القذرة الضارة، لقد تحملتكم بما فيه الكفاية، إن فتح أحدكم فمه وأكل شيئًا من هذه المحاصيل سيكون مصيركم الموت جميعًا، هل تفهمون!؟
فقال له ذلك الزبون المتعجرف الذي يصاحبه:
- إن هذه المحاصيل تعجُّ بالحشرات، لن أدفع لك فلسًا واحدًا، إلا إذا قمتَ بطردها وقتلها؛ حتى ينمو المحصول بشكل أفضل، ويلقى ترويجًا، وبيعًا أكثر!
ووصف له نوعًا فتاكًا من الكيماويات السامة!