مبادرة ض التطوعية

خلاصة القصة

كان عصفور الدوري يحلم أن يقوم برحلة لمشاهدة البحرالبعيد، لكن أبواه لم يعجبهما الأمر وتدخلت الجدة ناصحة له. دعونا نتعرف سويا على المغامرات الشيقة التي قام بها العصفور وإلى أين وصلت به في نهاية المطاف.

لبناني وكاتب في أدب الأطفال منذ سنة 2013. لديه أكثر 750 قصة منشورة في الكتب والمجلات للأطفال والجرائد وبرامج التلفاز. تمّ إدراج قصتين له ضمن الهيئة العالمية لكتب الأطفال – سويسرا وهما: “شجار الأشجار” (دار الفكر اللبناني) و”عائلة جديدة” (دار أصالة)، حيث ترجمت لأكثر من 150 لغة ضمن الهيئة العالمية لكتب الأولاد دورة 2018 ودورة 2020. أما في السنة 2021، انتُخب عضواً ضمن لجنة التحكيم لجائزة لأدب الأطفال “هانس كريستيان أندرسون”. هو دكتور متخصص بالأمراض النفسية والتحليل النفسي، ويعمل في الجامعة اللبنانية منذ أكثر من 10 سنوات، كما تعامل في عيادته مع الكثير من الأطفال الذين يعانون من مشاكل نفسية.  ويتابع الدكتور أنطوان م. الشرتوني دراسات حول تقنية “العلاج بالكتب” Bibliotherapy في باريس، فرنسا مع الجمعية الفرنكوفونية للعلاج بالكتب.

خريجة كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق، اختصاص اتصالات بصرية. تعمل كرسامة حرة بمجال الغرافيك ورسم قصص الأطفال 

وتسعى للوصول إلى أساليب بسيطة ومحببة للأطفال لتكون القراءة ممتعة أكثر بالنسبة لهم.

يَعيشُ عُصفورُ الدوري في الغابةِ، معَ عائلتِهِ المؤلفةِ من أمِّهِ وأبيهِ وأختِهِ الصُغرى وَجَدّتِهِ. يَحلُمُ الدوريُ أنْ يَزورَ البحرَ. 

يَوماً ما استَيقظَ منْ نَومِه وقالَ لِوالديهِ: أُريدُ زيارةَ البحرِ!

تَعجَّبَ  الأبُ مِن فكرَةِ اِبنِهِ وفسّرَ لَهُ: لا يُمكنُكَ الذهابُ! البحرُ بعيدٌ جداً!

ولكنَ الدوريَ رَدَّ عليهِ بكلِ إصرارٍ: وَلكن هذا حُلُمي! 

وأضافتْ أمُّهُ: تَحقيقُ هذا الحلمِ مُستحيلٌ! البحرُ بَعيدٌ جداً مِن هُنا! 

لا شيءَ مُستحيلٌ! جاوبَ الدّوري والدَتَهُ. 

فَقالتْ لَه أختُه الصُغرى: لماذا تُريدُ الذّهابَ إلى البحرِ؟ البَحرُ بَعيدٌ جداً! 

أُريدُ أنْ أستنشِقَ رائحةَ البحرِ والتّمتعَ بِرؤيَتِهِ. 

جَدَّتُه، هيَ الوَحيدةُ التي شَجَّعتْهُ، قائِلةً: اذهَبْ وَحَققْ حُلُمكَ! وَلكنْ انتَبه، 

لَيسَ مِنَ السَّهلِ تَحقيقُ الأحلامِ! فالبحرُ بَعيدٌ جداً مِن هنا!

وَلكنْ كَيفَ سَأصلُ إلى هناك؟ سَألَ الدوريُ. 

فَفسّرتْ جَدتُه وَهي تَمسَحُ وَجهَ حَفيدِها: 

يَجِبُ أن تُصغي جَيداً لأصواتِ الطبيعةِ. فالطبيعةُ هيَ التي سَتَقودُك إلى البحرِ. 

استَجمَعَ الدوري قِواهُ، وَودّعَ والديهِ وأختَهُ، كما قَبّلَ جَدتَه وانطلَقَ في السماءِ

 لتحقيقِ حُلمِهُ. طارَ عالياً.. عالياً.. عالياً، حتى أصبحَتْ أشجارُ الغابةِ بِحَجمِ 

قَطرةِ الماءِ. كانَ الهواءُ يُلامسُ ريشَهُ الناعمِ، وأَحسّ بدَغدَغتِهِ. فَجأةً سَمِعَ صَهيلَ الأحصِنةِ، وَسَليلَ الغزلانِ، ثُمَ رَآهُم مِن بَعيدٍ يَركضونَ في البريةِ بِمجموعاتٍ مُنظمةٍ. 

وَبعدَ عِدَّةِ ساعاتٍ من الطيرانِ، شَعرَ الدوريُ بالتَعبِ، فَحَطَّ على غُصنِ شجرةٍ من أشجارِ الغابةِ الكبيرةِ الساكنة. سَمِعَ حَفيفَ أوراقِ الأشجارِ العِملاقةِ، التي تُحيطُ بِكلِ جَوانبِ الغابَةِ وَخَريرَ ماءِ الساقيةِ التي تخترقُ السكونَ بِدونِ إذنٍ. كما سَمِعَ نَقيقَ الضفادعِ، وَطَنينَ النَحلِ، وهَزيزَ الرياحِ الذي يُنذرُ بقدومِ عاصفةٍ قويةٍ. نَظَرَ  الدوريُ إلى البَعيدِ، وَلم يَرَ البَحرَ فَقالَ في نَفسِه: «البَحرُ ما زالَ بَعيداً جداً مِن هنا!». 

وَبينَما كانَ يَستَعدُّ للطيرانِ، سَمِعَ الدوريُ هَزيمَ الرَعدِ وَجَلجَلَةَ المطرِ، فَطارَ خائِفاً وَباحِثاً عَن مَلجىءٍ يختبىءُ به. 

وَجدَ حُفرةً صَغيرةً في إحدى الأشجارِ الكبيرةِ. دَخَلَ فيها وأغلقَ عَينيهِ، وَتَنَفَّسَ ليرتاحَ. سَمِعَ نَبْضَ قَلبِهِ وتَذَكرَ ما قالتُه جَدتُهُ:

لَيسَ سَهلاً تَحقيقُ الأحلامِ!

وَشَعرَ كَأنَ أُمَّهُ وأَباهِ وَأختَهُ بِقُربِهِ، فَارتاحَ قَلبُهُ وَغَفى. 

في اليومِ التالي، استَيقَظَ الدوري وَأكمَلَ طَيرانَهُ حتى وَصَلَ إلى سَهْلٍ مِنَ القَمْحِ. فَقالَ في نَفسِهِ: «كَمْ أنا جائعٌ!» وسَمِعَ صَوتَ قرقرةِ بَطْنِهِ. أكلَ ما اشتَهى قَلبُهُ. وَفَجأةً سَمِعَ صَقيرَ الصقرِ وكأنَه هوَ أيضاً جائعٌ ويَبحثُ عَن أيِّ شيءٍ ليأكلَهُ. فَطارَ الدوريُ هارباً مِن مَخالبِهِ حتى قَطَعَ السَهلَ كُلَّهُ  وَابتعدَ عَن الخَطرِ.

وفي تلكَ الليلةِ، كانَ ضوءُ القمرِ يَشِعُّ، سَمِعَ الدوريُ مِن بَعيدٍ نَعيقَ البومةِ الذي يَتناغَمُ مَعَ عواءِ الذِئابِ الموجودةِ على السَّفحِ الثاني مِنَ الجبلِ. عِواءُ الذِئابِ مَعَ نَعيقِ البومةِ شَكّلا موسيقى لَيلية جَميلة. 

وفي اليومِ الثالثِ مِن رِحلتِه، أكملَ الدوريُ طَريقَه فَنظرَ إلى السماءِ وَسَمِعَ بَطبطةَ البطِّ المهاجرِ. ثُمَ نَظَرَ إلى الأمامِ وظَهَرَ لَهُ مَشهدٌ لم يَرهُ مِن قَبلُ: إِنَّهُ البحرُ. 

اقتَربَ الدوريُ مِن البحرِ وكأنه لا يُصدقُ ما يراهُ. أُمنيتُهُ تَحقَقَتْ. نَسيَ كُلَ المصاعبِ التي مَرَّ بِها: نَسِيَ الأمطارَ العاتيةَ وَمخالب النَسرِ القاسيةِ، وَالجوعَ الفتاكِ، كلُ هذهِ المصاعبِ اختَفتْ عِندما سَمِعَ الدوريُ هديرَ الأمواجِ. وَقفَ على صَخرةٍ عاليةٍ، يُريدُ أن يَشبعَ مِن مَنظرِ البحرِ.

بَقيَ ساعاتٍ يَنظُر إلى تِلكَ المساحةِ الكبيرةِ وَالغبطةُ في قَلبِه. 

ثم رأى مِن بَعيدٍ عائلةً مِنَ الحيتانِ: الأبُ والأمُ وطِفلَهما. سَمِعَ صريرَ إحداها وكأنها تُحَيِّيهِ وتُهنئُه على تَحقيقِ حُلُمِهِ. 

عائلةُ الحيتانِ هذهِ ذَكَّرَت الدوريَ بِعائلتِهِ، فَردَّ التحيةَ  بِهدوءٍ، وَعرفَ بأنهُ حانَ وقتُ الرجوعِ إلى المنزلِ،  بَعدَما حَقَّقَ أُمنيتَهُ.

آخر الإضافات

Scroll to Top