الشيفرة المخيفة
تأليف: حازم زين العابدين | الدولة: تركيا
أمريكا، واشنطن
قاد جورج سيارته الحمراء من طراز «فورد» على طريق ممشى حديقة جورج واشنطن التذكاري بهدوء لا يتناسب مع ما يجب أن يكون عليه بعد تلقيه الأخبار من عميله في دمشق، ثم بان على يساره ذلك المبنى المَهيب لوكالة المخابرات المركزية (CIA) ذو المبنيين المتوازيين ويصل بينهما مبنيان آخران كجسر. كان يعرف حقيقةً أنه ليس أجمل مبنى في البلاد، فهناك مبانٍ عدة ذات تصميم رائع؛ كالبيت الأبيض، وكابيتول الولايات المتحدة، والمحكمة العليا، والبنتاغون، وغيرها كثير من المباني الحكومية ذات التصميم المعماري الرائع؛ فالكابيتول على سبيل المثال يحوي لوحة مرسومة بداخل قبته من إبداع الفنان « كونستانتينو بروميدي»، ويذكر كم كانت دهشته عظيمة حين رآها أول مرة، بقي ينظر إليها مدة طويلة، حتى إن رقبته بقيت تؤلمه طوال اليوم، وقد فكَّر في نفسه أنها كانت تحفة فنية بحق، تعكس مدى حب الآباء المؤسسين لهذه الأمة العظيمة على تمجيد أنفسهم.
دخل العطفة التي على يساره وبدأ بتجهيز بطاقة دخوله، كان يكره إجراءات الدخول المشددة تلك؛ فعلى الداخل إلى هذا المبنى الغامض أنْ يُبرز بطاقته الوظيفيَّة، ويمرر عينه على جهاز بصمات الأعين. ثم أكمل طريقه إلى مصف السيارات المخصص للموظفين وركن سيارته في الموقف رقم 153، وترجَّل بهدوء، أيضًا، قاصدًا المدخل الرئيسي، وهنا -على الباب الرئيسي أيضًا- وجد جهاز البصمات؛ شتم بصوت عال، هو نفسه لم يكن يدري لماذا يشتم، فهو فعلًا ليس في عجلة من أمره -مع أنه يجب أن يكون كذلك- لكنه يمقت بشدة تلك الإجراءات التي يرى أنه لا داعي لها.
سلَّمَ على زملائه الذين كان بعضهم ينتقل من مكتب إلى مكتب، وأحدهم كان يحمل ملفًا والآخر ورقة، هكذا دائمًا ما كان حال الوكالة، كخلية النحل لا تقف أبدًا؛ هناك دائمًا من يعمل على شيء حتى ولو في منتصف الليل.
ثم ارتقى بالمصعد إلى الطابق الأخير، وقد اكتسى كلٌّ من وجهه الأبيض وعينيه الخضراوين -وكأنهما حَجَرا زمرد- هيئة صرامة تليق بشخص في مركزه، شدَّ هندامه وهو يخرج من المصعد متجهًا إلى مكتب المدير، كان البهو عابقًا برائحة الورود والأزهار، ربما يكون مضحكًا وبنحو كبير أن يكون مدير فرع الاستخبارات والمَهام الخارجية المعروف بأنه لا يضحك أبدًا مُحبًّا للزهور والورود.
دخل فحيته السكرتيرة، وقالت دون أن ترفع رأسها من أمام شاشة الكمبيوتر:
- إنه في انتظارك.
رد عليها باقتضاب محاولًا عدم تشتيت تركيزه، وهو يُجهِّز كلماته وجمله بعناية لأنه لا يريد أن يُعكِّر عليه صفو يومه أحد ولو كان مديره المباشر:
- شكرًا لك.
قرع الباب، سمع صوت مديره الناعم الذي لا يتناسب أيضًا مع من هو في مثل مركزه، كان ليضحك لولا أن تمالك نفسه، فهو لا يرى أي مؤهل لهذا الذي يُسمى مديره المباشر، سوى أنه نجح في إدارة واحدة من أهم العمليات التي وُكِّلَت إليهم، وهي اغتيال أسامة بن لادن، ثم دخل إلى المكتب.
كان المكتب غرفة واسعة مكسوة كاملًة بخشب البلوط، وإضاءتها ضعيفة مع أنها في وضح النهار، لكن الشمس تحجبها أوراق الأشجار؛ فقد كان هذا المكتب أقرب إلى غابة منه إلى مكتب استخبارات، كان يجلس مديره خلف مكتبه الضخم على كرسيه وكأنه شجرة سيكويا عملاقة، وهو حليق الذقن، أصلع بنحو مضحك، وكان يمسك قلمه من ماركة « «montblancويقلِّبه بين إصبعيه بتوتر واضح.
بادره مديره بالسؤال، وقد بدت لهجته قمةً في الجدية، بأكثر ما توقع جورج:
- أصحيح أنكم لم تستطيعوا الحصول على ذلك الحاسب المحمول الذي يحوي تلك الشيفرة التافهة؟
- سيدي هي ليست تافهة، وإلا ما سعينا إليها...
قاطعه بسرعة كيلا يتحول الموضوع إلى ما لا يريده:
- بغض النظر، أخبرني بسرعة ماذا فعلتم بأسعد؟
- بعد أن علمنا أن الروس يسعون وراءه، حاولنا أن نغريه بأكثر مما عرضوا عليه، وعندما رفض حاولنا استجوابه، وقد قاوَم الاستجواب، وحاول الهرب والمقاومَة وجرى اشتباك ناري مفاجئ بينه وبين عملائنا هناك، وقد...
هنا ازدرد جورج ريقه وكأنه أحس بأنه وصل إلى النقطة التي كان يخشاها، لكن جمع شجاعته وحاول أن يكمل بسرعة كيلا يزيد من غضب المدير:
- وقد قُتِل.
- أيها الأوغاد، أقتلتموه؟! ومن أين نحصل على ذلك البرنامج الآن؟
قال المدير جملته الأخيرة بعد أن ألقى بقلمه على الطاولة وضربها بقعر قبضته.
- سيدي إنه من أجل ذلك لن نخشى من أن تُفتضح أسرارنا، أو من أن يصل البرنامج إلى أحد غيرنا.
- لكن البرنامج موجود في مكان ما، وطالما أنه ليس في أيدينا يعني أنه ليس آمنًا، لذلك أريد أن أبعثك أنت لكي تجد ذلك البرنامج.
لم يشأ جورج أن يعترض؛ لأنه أحس أنه يتحمل جزءًا من المسؤولية في مقتل أسعد، لذلك أردف قائلًا دون أن تحمل نبرته أي اعتراض:
- حاضر سيدي، متى تأمرني بالتحرك؟
- هل تعلم يا جورج؟ أحيانًا أستغرب كيف أمكنك الوصول إلى رتبة مرموقة كهذه وأنت تملك هذا القدر من الغباء!
قال الكلمة الأخيرة بنبرة صارخة، ارتجف لها جورج وأحس بخطورة المَهمة أكثر فأكثر، فأردف لينهي هذه المحادثة التي استنزفت أعصابه:
- بأمرك سيدي!
خرج من الغرفة وهو معكر المزاج، لكنه في الوقت نفسه يحمل إصرارًا كبيرًا على إنهاء هذه المَهمة بأفضل الطرائق، وعزم على ألَّا يعود إلا والبرنامج في يده، حتى لو كان هذا البرنامج في أعماق الجحيم، فهو يعرف أن هنا عالم النتائج والنهايات، هنا لا شيء مهم غير النتيجة، الطريقة والوقت والكلفة ذلك غير مهم البتة، المهم أن تنجز ما هو مطلوب منك.
اتَّجهَ إلى قسم المعلومات، ذلك القسم الذي يحوي أكثر أسرار الكون سرية -إن صح القول- ويخضع موظفوه إلى رقابة شديدة جدًّا أكثر من أي أحد في الوكالة كلها تقريبًا، ولا يتوانَون عن تصفية أي مشتبه فيه بالخيانة أو كما تنص عليه القوانين الداخلية «تهديد الأمن القومي»، ثم أدخل بطاقته في الجهاز وفُتحَت البوابات. دخل وكانت القاعة كالعادة تضج بأصوات النقر على لوحات المفاتيح والتراشق بالورق والملفات من ركن إلى ركن ومن زاوية إلى أخرى.
قصد زميله ستيف، تبادلا التحيات، وقال بلهجة صارمة لم يتحدث بها أبدًا مع صديقه ستيف من قبل:
- أريد ملف الشيفرة المخيفة!
لم يرد عليه ستيف وإنما بدأ بعمله مباشرة؛ فهو يعلم بأنه عندما يكون صديقه في مثل هذه الحالة فإن أفضل ما يمكن فعله هو تجنبه حتى يهدأ. ناوله الملف الذي طُبع لتوه، وقال له باقتضاب:
- بالتوفيق.
وهنا أمسك جورج الملف وانطلق لا ينوي إلا أخذ البرنامج والعودة به إلى هنا.
سورية، دمشق
عادت حنين إلى البيت بعد جنازة والدها الذي قُتِل البارحة، ودخلت إلى مكتبه؛ كان مكتبه أكبر غرف البيت؛ فيه طاولة، وخلفه كرسيه المتحرك، وإلى يمينه الطابعة، وخلفه لوحة كُتِبت عليها أرقام لكن بطريقة فنية، ولم تكن تعني لمن يراها شيئًا سوى أنها أرقام بلا فائدة. كانت حنين تذكر بأنها سألت أباها حين أحضر هذه اللوحة إلى البيت عن معناها، فأخبرها بأنها أول لوحة من رسمه، وهي لا تعني شيئًا إلا أنها أرقام مرسومة بطريقة غريبة. وعلى الحائط الأيمن كانت المكتبة تشغل الحائط بأكمله وأما الحائط الأيسر فقد شغله برواز علقت فيه شهادة من جامعة كامبردج، وهي شهادة دكتوراه في علم التشفير والحاسب الآلي.
تهاوت على الكرسي، هي لم تبكِ البتة، لأنه ليس الآن وقت البكاء، فهي قد نوت الانتقام من قاتل والدها، ومن ثم البكاء عليه، وجلست تفكر في الذين يُشتَبه فيهم بقتل والدها أسعد. أمسكت بهاتفها المحمول وكانت الساعة متأخرة، يبدو أنها أمضت وقتًا طويلًا دون أن تشعر فوق قبر والدها، وهي تعده بأنها لن تبكيه قبل أن تثأر من قاتله.
منذ أن جاءها خبر القتل وهي لا تصدق، كيف يمكن لشخص معروف مثل والدها أن يُقتل؟ وحسب ما قالت لها الشرطة فإن والدها كان في اشتباك مع أشخاص مجهولين، وقد قُتِل ضمن هذا الاشتباك. وهي منذ ذلك الوقت تتقافز إلى فكرها أسئلة عدة؛ منذ متى وأبي يملك مسدسًا؟ وهل امتلاكه للمسدس يشير إلى أنه يعرف بأنه مهدد؟ وإذا كان كذلك فلماذا لم يخبرني؟ والسؤال الأهم هو ما الدافع الذي قُتِل من أجله؟ ما الذي يمكن لوالدي أن يفعله كي يقتل؟
كان رأسها يغلي كالمرجل؛ فإذا بباب الدار يُدَق. أرعبها الصوت؛ إذ خافت من تبعات قتل أبيها، تسللت حتى الباب على رؤوس أصابعها، نظرت من العين الساحرة فرأت صديق أبيها عمر -وهو دكتور في الفلسفة- ارتاحت لرؤيته؛ إذ كان أعز صديق لدى أبيها. فتحت له الباب فحياها ودخل، قادته إلى مكتب أبيها، كما يفعل عادة لو كان حيًّا، ووقفا على باب الغرفة، ونظرا إلى بعضهما. حثته على الدخول، وأحس بأن عليه الإسراع في طرح الموضوع، فتنحنح ليقول:
- اسمعيني يا حنين. أنت تعلمين أن أباك أعز صديق عندي -رحمه الله-، وقد أصابني في وفاته من الهم والحزن ما أصابني، وإني مثلك تمامًا أُصرُّ على الانتقام من قاتله، وقد جئتك لهذا السبب تحديدًا.
وقف قليلًا ليرى تأثير كلامه فيها، لكنه رأى أن وجهها كالتمثال لا يتحرك، فتابع:
- وقد طلبت من الطبيب الشرعي أن يُطلعني على جميع مجريات تحقيقه، ولا أخفيك بأنه أخبرني خبرًا لم أصدقه للوهلة الأولى، لكن عندما رأيت بعيني لم يعد هناك مجال للإنكار.
- وما هو هذا الشيء؟
- دعيني أسألك أولًا، هل كان لدى أبيك أي وشم على جسمه؟
- لا!
- إذًا فإن أباك لديه واحد على بطنه، وهذه صورة الوشم، أحسست بأنها غير عادية.
- دعني أرى!
ووضع هاتفه أمامها، فنظرتْ بحذر وكأنها تخشى أن يكون كلامه صحيحًا، صرخت صرخة فزع عندما تأكدت بأم عينها.
- وما تعليقك على هذه الرموز الغريبة؟
- لا أدري لكن عليَّ أن أبحث.
تناولت ورقة وقلمًا من الدرج، دوَّنت ما هو مكتوب، وكان فعلًا شيئًا محيِّرًا؛ فهو من النظرة الأولى يبدو بلا معنى؛ ولكن منطقيًّا يجب أن يكون له معنى، بل ومعنى مهمّ أيضًا، وإلا لما أقدم أبوها على شيء كهذا.
T()215(+sr()q
- وهل استطعت معرفة شيء من هذه الطلاسم؟
- صحيح أنني أدرس الفلسفة، لكن تعلمين أنني لا أستطيع إلى الآن فهم فلسفة أبيك!
- أنا استنتجت شيئًا، لكني لا أرى له رابطًا مهمًّا يقودنا إلى شيء.
- وما هو؟
- Sr إنه رمز عنصر Strontium
- وماذا عن البقية؟
- لا أرى لها معنى!
- مستحيل!
- أعلم!
- ما رأيك بأن أتصل بأحد خبراء التشفير؟
- لا، أنا أرى أن أبي ترك هذا اللغز لي كما كان يفعل معي في الماضي، ومن ثم فإني لم أعد أثق بأحد غيرك بعد وفاة أبي.
- إذًا يجب أن تفكري، لو أنك في مكان أبيك كيف كنت ستتصرفين، لأني أرى أن أباك كان يتوقع أن يحدث له هذا، فامتلاكه مسدسًا ووشمه يؤكدان هذا. ولذلك أظن أن هذا الوشم اللعين الذي لا نفهم فحواه، هو خريطتنا لإيجاد سر أبيك ومعرفة سبب قتله.
- عد إليَّ غدًا، فربما أكون قد حللته!
- أخاف أن يمضي الوقت دون أن تحليه.
- لا تخف لن أنام قبل حله.
غادر عمر، في حين شرعت حنين بالعمل؛ بدأت تقرأ كتب أبيها عن التشفير، لكنها بالكاد كانت تفهم شيئًا، فعلى ما يبدو أن هذه الكتب ليست للعوام. حاولت إيجاد أي ورقة بين الكتب، أي خط أو دليل تحت أي جملة، لكنها عبثًا تفعل. مضى الليل وأعقبه النهار وهي في بحثها ذاك، فاستيأست، وفتحت حاسوبه الشخصي، وبحثت في مستنداته أيضًا فلم تعثر على شيء، كانت تجيل نظرها من ملف إلى ملف وتقرأ العناوين ولا تفهم منها شيئًا، وكأنها مكتوبة بلغة سنسكريتية (التشفير المتناظر، التشفير المقطعي والمتصل، دالة هامش التشفير...). أحست بالتعب، فهي إن أرادت أن تفهم شيئًا، فستحتاج وقتًا طويلًا جدًّا لا تمتلكه، وعندما هَمَّت بإغلاق الحاسوب، لفت نظرها ملف وحيد على سطح المكتب بعنوان «الجناس التصحيفي -محاضرة مصر». تذكَّرتْ رحلة أبيها الأخيرة إلى مصر منذ أقل من أسبوعين، وأرادت أن تتصفح الملف، وبعد أن جالت بطرفها في الشرح، فهمت الطريق المختصر لهذا النوع من التلاعب بالكلمات، فبدل أن تكتب مرحبًا، يمكنك كتابتها هكذا «حرب ما» وأن تكتب «العربي - عبري». أعجبها الشرح ومفهوم الجناس التصحيفي ذاك، لكن لا ترى ما يمكن أن تستفيد منه.
أعادت النظر في الشيفرة
T()215(+sr()q
لم ترَ أي شيء لافت للنظر سوى عنصر «السترونشيوم»، وهذا غالبًا لا يشير إلى شيء بوجود الرموز الباقية غير المحلولة، أحست بأنها بدأت تفقد تركيزها، فقامت إلى المطبخ لتعد كأسًا من الحليب الساخن بالشوكولا، وعادت بحماسة إلى عملها، وهي ترتشف الحليب من حين إلى آخر.
أعادت جمع شتات فكرها، ونظرت في الوشم، وحاولت تفسير الأمور بعكس ما تراها، لأنها تذكرت وصية والدها، «يا صديقتي؛ إن استعصى عليك أمر فانظري إليه بعكس ما أُوحيَ إليك»، ابتسمت حين تذكرت صوت والدها وهو ينصحها، وتذكرت كيف كان يلقبها بـ «صديقتي».
فقالت في قرارة نفسها: «فلنفترض -وهذا ما أراه راجحًا- أن إشارة (+) لا بُدَّ أنها تُشير إلى العملية، ولكن ما علاقة الحروف والأقواس؟». لقد درسَتْ دالة الجيب (sin) ونصف قطر الدائرة (r) لكنها لا تعني شيئًا لها -على الأقل في الوقت الراهن- فهي لا ترى شيئًا يربط بين كل هذا. أمسكت بالحاسوب وبحثت عن معادلات وقيم رياضية غريبة، فرأت معادلة أويلر:
ومتتالية فيبوناتشي التي حفظت حدودها المئة من صغرها؛ لأن أباها كان مولعًا بها، والأعداد السعيدة والنرجسية التي سبق لها معرفتها، ولكن ما لفت نظرها هو النسبة الذهبية، فهي كانت تحوي الأرقام 1 و2 و5 التي تحويها الشيفرة. أمسكت بالورقة والقلم، وراحت كالمجنونة تحاول تأكيد ما قرأته عن القيمة الذهبية؛ فحاولت ترتيب الشيفرة علَّها تطابق ما شاهدته، حاولت مرات عدة وفي كل مرة تشطب وتكتب فتشطب وتكتب بيد مرتجفة نتجت عنها أحرف ترقص على الورق، نجحت أخيرًا في ترتيب شيء مفهوم، وهو الذي يطابق الكتابة الحاسوبية للنسبة الذهبية، التي هي:
فأصبحت على الورق العبارة الآتية -وهي الشيفرة بعد ترتيبها وفك الجناس التصحيفي-:
(1+sqrt(5))/2
أدخلت القيمة في محرك البحث لتتأكد، فإذا بها صحيحة. لو أن والدها ليس ميتًا لرقصت من الفرح، فهي كانت متعودة منذ الصغر أن تحل الألغاز التي يعطيها إياها أبوها، وكم كانت تفرح بعد الجهد الذي تبذله لحلها. ومع أن أباها قد توفي، فهي فرحت فعلًا لأنها اقتربت خطوة من أن تعرف ما حدث لأبيها والسبب وراء وفاته.
ولم يدم فرحها طويلًا، فها هي تعود من جديد إلى عدم معرفة إلى أين ستقودها النسبة الذهبية تلك، ولكن في الوقت نفسه تأكدت من أنها تمشي في الطريق الصحيح، فوالدها لم يكن أبدًا ليعطيها لغزًا سهلًا، فهي منذ كانت في العاشرة من عمرها، كان أبوها يعطيها معادلات في التكامل لتجد هديتها المخبأة.
أحست بثقل جفنيها، فهي لم تنم منذ أن توفي والدها، قاومت النعاس، لكنه انتصر في النهاية وأسدل الستار على يومها ذلك.
سورية، دمشق
بعد رحلة استغرقت أربع عشرة ساعة من مطار واشنطن دالاس الدولي إلى مطار دمشق الدولي، وصل العميل جورج إلى دمشق، أنجز إجراءات الدخول سريعًا، وقد ساعده موظفو المطار في ذلك؛ أولًا لأنه أجنبي، وثانيًا لأنه يدخل بصفة دبلوماسي ملتحق بالسفارة الأمريكية. وجد سيارة السفارة في انتظاره خارج المطار، وعندما وصل بدأ عمله على الفور؛ إذ استدعى عميليه وطلب منهما آخر المستجدات.
- إن ابنته يا سيدي تحاول حل اللغز الذي يقودنا إلى البرنامج.
- أي لغز؟
- إن الرجل كان له وشم على بطنه، وهو غالبًا مكان البرنامج، لذا نأمل بأن تقودنا تلك الشمطاء إليه.
- وهل شددتم مراقبتها؟
- نعم سيدي.
- وهل علمت المخابرات الروسية بأمر ذلك الوشم؟
- لا، سيدي، عندما علموا بموته من قبلنا، ولما أوهمناهم بأننا حزنا على البرنامج عاد عملاؤهم إلى روسيا.
قال وهو يحس بالراحة: فلننتظر إذًن.
استفاقت حنين عندما أحست بطرق عنيف على الباب، رفعت رأسها من فوق طاولة المكتب، وأحست بشد في عضلات رقبتها، بسبب وضعيتها الخاطئة في النوم، قامت على عجل لترى الطارق، فإذا بنظرها يقع على كتاب بين الرفوف بعنوان «نسبة الرب»، تفاجأت كيف أنها لم ترَ هذا الكتاب البارحة، فقد فتشت في جميعها ولكنها لا تذكر هذا، وأرجعت سبب عدم رؤيتها له إلى اللَّبكة التي كانت عليها البارحة. أمسكت بالكتاب وفتحت الفهرس لتتصفحه. كان الكتاب فعلًا يتحدث عن النسبة الذهبية بوصفها نسبة الجمال والكمال أو كما يلقبها الكاتب مجازًا «نسبة الرب». في تلك الآونة اشتد قرع الباب قوة، فتذكرت أن عليها أن تفتح الباب. ركضت لترى من يطرقه، فإذا به صديق أبيها عمر الذي زارها البارحة، فتحت على عجل ودعته للدخول وهي تعود أدراجها إلى المكتب، فتبعها إليه.
بادرها بالسؤال وهو يهم بالدخول إلى المكتب:
- لماذا تأخرتِ في فتح الباب، خشيت أن يكون قد أصابك شيء في غيابي.
- كنت مستغرقة في النوم.
- وهل حللته؟
- بالطبع ولكن لم أصل فيه إلى شيء منطقي، على الأقل قبل أن تقرع الباب أنت.
وقف إلى جانبها، وهو ينظر إلى الكتاب، لاحظ على الطاولة أوراقًا مبعثرة ومليئة بالكتابات التي هي وشم صديقه. أمسكها وبدأ قراءتها، أعجبه تحليلها للوشم ولم يبدِ أي تفاجؤ عندما عرف بأنه يشير إلى النسبة الذهبية.
- هل تعلمين؟ ليس هذا بغريب!
- ولماذا؟
- لأن أباك كان دائم الحديث عن النسبة الذهبية ومتتالية فيبوناتشي، لقد كان مغرمًا بهما.
- أما عن متتالية فيبوناتشي فإني أعرف ذلك. أما نسبة الرب تلك فبالكاد سمعت عنها.
- وإلى ماذا توصلتِ أخيرًا؟
- لا أعرف؛ هذا الكتاب كبير، ولا أعرف ما الذي قصد أبي الإشارة إليه؟
- يجب أن يكون هذا مذكورًا في الوشم.
رفعت حنين رأسها إليه بإعجاب، أسرعت إلى الوشم تنظر إليه، وقالت Eureka.
- لا أفهم، بالعربية لو سمحت!
- وجدتها!
- ما هي؟
- إنها هنا T()215(+sr()q مُشيرًا إلى الصفحة رقم 215.
- إليها إذن!
- ها هي، إنها تشير إلى تجليات النسبة الذهبية في هرم خوفو، ومكتوب هنا: «فإذا أنزلنا عمودًا من رأس الهرم إلى القاعدة، ينتج لدينا مثلث قائم الزاوية، فإن النسبة بين طول الوتر في الهرم إلى طول أصغر ضلع فيه -وهو نصف ضلع القاعدة- ستنتج لدينا القيمة 1.61804 وهو باختلاف بسيط فقط بالخانة العشرية الخامسة للنسبة الذهبية».
- إذا فإن سر أبيك في الأهرامات؟
لم تجبه، بل التفتت لتوها إلى الحاسب المحمول وطَبَعَت بسرعة «حجوزات من دمشق إلى القاهرة».
قال لها حاسمًا أمره:
- لشخصين لو سمحت!
نظرت إليه وتابعت عملها بسرعة وإتقان، فالذي يراها يظنها عملت في مكتب سياحي لمدة تزيد عن خمسة أعوام. أنهت الحجز في خمس دقائق.
- متى ميعاد السفر؟
- بعد ساعتين.
- ماذا؟!
- لا تعترض بإمكانك البقاء هنا.
عندها أدرك عمر بأن هذه البنت فقدت عقلها وأعصابها، فهي لا تريد التروي في أي شيء، وقد أدرك أيضًا بنحو أكبر كم كان صائبًا خيار ذهابه معها.
غيرت حنين ملابسها، وانطلقا نحو المطار...
سورية، دمشق، السفارة الأمريكية
تنبه القائد جورج إلى رسالة جديدة قادمة إليه من عميله الذي يراقب حنين، وتنص الرسالة على أن حنين اتجهت صوب القاهرة.
طبع على أزرار هاتفه كلمة بسيطة «اتركهما».
مصر، القاهرة
حطت الطائرة من نوع (Airbus A320) في مطار القاهرة الدولي، وترجَّلت حنين يتبعها عمر على أرض المطار، ثم نُقلوا بالباصات إلى قاعات المطار، ولسوء حظهم كان هناك ضغط رهيب على منافذ العبور لهبوط طائرات عدة في وقت متقارب، أحست حنين بالضجر فهي تريد أن تنهي هذا الأمر بسرعة.
بعد قرابة الساعة والنصف، خرج عمر وحنين إلى جو القاهرة الحار. استأجر عمر سيارة ليقضيا بها حوائجهما في خلال مدة إقامتهما. قصدا أقرب فندق، وباتا فيه الليل. وفي الصباح الباكر وبعد أن اجتمعا في صالة الطعام، تناولت حنين الطعام على عجل، وقالت وهي تهم بالخروج:
- هل تعرف أحدا يساعدنا في مهمتنا هذه؟
- طبعًا ونحن سنذهب إليه حالًا.
- من هو؟
- الدكتور لطفي، دكتور علم التشفير في جامعة عين شمس.
قاد عمر السيارة قاصدًا ميدان عبده باشا الذي يقع جانبه مبنى كلية الهندسة في جامعة عين شمس، قادمًا من شارع السرجاني. أكمل حتى شارع أحمد فؤاد عبد العزيز السريات، منعطفًا إلى شارع المستشفى اليوناني، ومن ثم دخل إلى حرم الكلية عن طريق البوابة الخامسة. مع أنه جاء إليها من قبل مع أسعد، لكنه لم يكن يستطيع أن يحفظ الشوارع المتداخلة لمدينة كالقاهرة.
اتجه نحو البوابة الرئيسية لمبنى الكلية، وقد كان عبارة عن مبنى من ثلاثة طوابق، وتواجه البوابة نافورة تعطي للجو رطوبةً منعشةً، وإلى جانب درج البوابة يوجد مدفعان. ارتقى درجات البوابة الثمانية المكسوة بسجادة حمراء تشبه تلك التي يسير عليها المشاهير في هوليوود.
صعد إلى الطابق الأول وطرق الباب الأول من جهة اليمين. كانت غرفة الأستاذ لطفي، سمع صوت الأستاذ من الداخل ينطق بكلمة «تفضل».
رسم الابتسامة على وجهه ودخل تتبعه حنين، وعندما نظر بعضهما إلى بعض هب إلى استقباله الدكتور لطفي، وكم كانت سعادة هذا الأخير برؤية ضيفه.
- تفضل يا دكتور عمر!
أحس عمر بضرورة تعريفه إلى حنين، فقال بلهجة ودودة:
- شكرًا لك، هذه هي حنين ابنة الدكتور أسعد الذي قُتِل منذ مدة في حادثة إطلاق نار.
- نعم، للأسف لقد سمعت عن هذه الحادثة المؤسفة في الجرائد. تعازي الحارة لك يا ابنتي، لقد كان أبوك واحدًا من أعز أصدقائي.
- أطال الله عمرك يا دكتور.
- إذن ما سر هذه الزيارة المفاجئة لنا يا عمر؟
- إني أريد مساعدتك في التحقيق في مقتل أسعد.
- أنا؟! وكيف أساعدك فيه؟
- لقد أشار أسعد قبل موته إلى النسبة الذهبية، وأشار أيضًا إلى صفحة في كتاب «نسبة الرب» التي تشير إلى تجليات هذه النسبة في هرم خوفو، فهل تعرف شيئًا عن هذا الموضوع؟ أو هل فاتحك فيه أسعد في سفرتنا الماضية؟ أظنه قد اغتنم فرصة وجوده هنا لتساعده على ما أعتقد.
- بل لقد كلفني بأن أُسهِّل له وضع أمانة في أحد غرف الهرم، على أن يستعيدها بعد فترة.
- ومتى يمكننا استعادتها؟
- الآن إن أردتم.
- إذًا فليكن.
اتصل الدكتور لطفي بزميله الدكتور أحمد عميد كلية الآثار في جامعة القاهرة ليسبقه لهرم الجيزة الأكبر، هرم خوفو. كان الدكتور لطفي لا ينفك يشرح لهم عن هرم خوفو ولم يكن يسكت إلا ليزدرد ريقه وكان حديثه كالآتي:
«إن هذا الهرم لهو تحفة تاريخية، وأعجوبة هندسية بارعة، ولست بهذا أضع من شأن الأهرامات الباقية. على العكس في كلٍ أعاجيبه التي لا تنتهي، أما عن هرم خوفو ذلك الذي سنزوره، فإنه الأكبر كما تعلمون، وهو الأعجوبة الوحيدة الباقية من أعاجيب الدنيا السبع القديمة، فيه ثلاث غرف؛ واحدة تقع تحت الأرض محفورة ضمن الصخر ولم يكتمل حفرها، والغرفة التي في الوسط فقد كان يشاع فيما مضى بأنها غرفة الأميرة، واكتُشف حديثًا بأنها غرفة للتضليل لا أكثر ولا أقل، وأما الغرفة العلوية فهي ذات حوائط غرانيتية على عكس الهرم من الداخل، لأنها غرفة دفن الملك».
قاطعته حنين وكأنها تململت من شرحه الذي كانت لترحب به لولا أنها في وضع كهذا:
- وبأي غرفة أودعتم السر؟
- في الغرفة المزيفة.
نطق كلاهما في اللحظة نفسها من هول المفاجأة. كانوا أنفسهم لا يدرون ما المفاجأة في الموضوع، لكن ربما أحسوا بأن السر الذي سيخفيه الدكتور أسعد يستحق أن يخبأ في غرفة ملك.
- في الغرفة المزيفة؟
- نعم هذه كانت إرادة والدك -رحمه الله-.
لبث الثلاثة بعدها لا ينبسون ببنت شفة، إلى أن وصلوا إلى الأهرامات.
نظرت حنين إلى هذه الأعاجيب الساحرة، إلى تلك المباني التي لا تشبه أي شيء سبق وأن عاينته، كانت كثيرًا ما تراها في الصور، لكن الوقوف أمامها شيء آخر تمامًا.
تقدَّم نحوهم الدكتور أحمد وتعرف كل منهم إلى الآخر، وقال الدكتور أحمد بمناسبة التعارف:
- لقد أخليت لكم الهرم لكي نستطيع إخراج الحاسوب المحمول بسهولة.
همس الدكتور لطفي في أذنه: هل علمت بأن الأستاذ أسعد قد توفي؟ أجاب بلهجة متفاجئة: لا!
- تعازي الحارة يا ابنتي.
- هذا لطف منك يا دكتور.
دخلوا من مدخل مأمون إلى الدهليز، ومن ثم صعدوا دهليزًا نحو الأعلى، وعندما وصلوا إلى الغرفة دخلوا إليها. كانت مبطنة بأحجار جيرية بيضاء، وكما قال لهم الدكتور أحمد شارحًا، بأن هذه أول غرفة ذات سقف جملوني موجودة في هرم. وأعقب الدكتور أحمد جملته الأخيرة بأن قال:
- والآن فلنُخرج الحاسب المحمول.
اتجه أحمد نحو ما بدا ثقبًا مربعًا في الجدار الأيمن للحجرة المزيفة، وقال شارحًا: إن هذا النفق كان -وما زال- محيرًا لعلماء الآثار، وقد أُجريت أبحاث عديدة عليه وتم إدخال روبوتات عدة، وما زلنا نجهل فائدة هذه الفتحات، ولكن على الأقل فإنها تعمل الآن كمستودع للأمانات.
أخرج من الفتحة جهازًا صغيرًا بحجم الهواتف النقالة من طراز (GPD Pocket) أعطاه لحنين وكأنه انتزع حملًا ثقيلًا عن كاهله، ثم خرجوا جميعًا من الأهرامات وأعيد افتتاحها للعامة، وتفرقوا كل في سبيله بعد أن شكر كل من حنين وعمر الدكتورين على مجهودهما في حفظ هذا السر العظيم.
ولم تكد حنين تركب السيارة حتى أشعلت ما يمكن أن يسمى باللابتوب، وانصدمت من فورها بكلمة مرور. نظرت في وجه عمر لعله يدلها إلى طرف الخيط، وقال بصوت يائس:
- أصبح عليك معرفة الأمر يا حنين!
- أي أمر؟
- إن أباك في أيامه الأخيرة كان يعمل على برنامج يستطيع اختراق كل حواجز الحماية الإلكترونية، لم يخبرني بنتائج مشروعه، ولكني بت أعرف بأنه انتهى منه قبل مقتله.
- ولماذا لم يخبرني بذلك؟
- لا أدري!
جربت حنين كل الخيارات التي توقعت أن يستخدمها أبوها كلمة سر، وكانت تفشل في كل محاولة. وعندما استيأست، حجزت تذكرتي طيران للعودة إلى بيتها. وفي الطائرة، لم تستطع النوم فشاهدت حلقات من مسلسل شارلوك هولمز كانت قد بدأت مشاهدته منذ مدة ولم تنهها، وقد لفت انتباهها في الحلقة الثالثة من الموسم الأخير استخدام شارلوك الأشعة فوق البنفسجية للكشف عن كتابات بحبر مخفي وهو زيت بذور الكتان. فكرت بأنه ربما عليها تجربة هذه الطريقة. فربما تنجح وتكتشف السر. لكنها لم تطق انتظارًا، فحاولت من جديد تخمين كلمة السر، جربت كلمات جديدة ومنها الوشم الذي دلها على هذا المكان لكن عبثًا حاولت، لقد باءت آخر محاولاتها بالفشل.
عند وصولهما إلى مطار دمشق الدولي اتجهت حنين من فورها إلى المشفى الذي تعمل فيه لتكشف الجهاز تحت الأشعة فوق البنفسجية، وفعلًا عندما وضعت الجهاز في عرضة الأشعة أضاءت بعض أزرار لوحة المفاتيح، فتناولت ورقةً وقلماً ودونت الأحرف المضاءة، وقد شكلت جملة لا تعني شيئا للمرة الثانية. Ceruminosis unindorse
حاولت إعادة التفكير في كل ما جرى لها، منذ أن توفي والدها إلى لحظة عثورهم على الحاسوب، وعرفت أن أباها كان مغرمًا بالجناس التصحيفي، فاستعانت بموقع على الإنترنت لفك طلاسم هذه الأحجية. كان الموقع يطلب اختيار لغة النص لكي يستطيع فكه، جربت الإنجليزية فلم يعطِ الموقع نتائجَ، جربت الإيطالية فالإسبانية فالفرنسية فلم تنجح، وبقيت اللغة اللاتينية وهي اللغة الخامسة التي يجيدها أبوها، وكانت هذه اللغة المحببة لقلبه. ظهرت أمامها جملة واحدة ولم تكن تعرف ما معناها.
Nos sumus orti in cinere
ترجمتها فإذا بها تعني:
«ننهض من الرماد»
عادت من فورها إلى البيت، لتشغيل اللابتوب وتشغيل كود أبيها. في البيت جلست وراء المكتب، وأمسكت به وطبعت الأحرف بقلب مرتجف.
Nos sumus orti in cinere
تمّ الفتح وصار سر أبيها معها الآن في الأيدي الصحيحة والأمينة. تنفست الصعداء، وأحست أنها على بعد خطوات من الانتقام لقاتل والدها.
نظرت إلى عمر لتستفهم منه عن الخطوة التالية، فقال لها:
- ابحثي في الملفات عن برنامج التشفير!
أحست بأن الأمر بديهي، لكنها فعلًا سبق وأن بحثت في الملفات فلم تجد شيئًا، بل لقد خافت أن تكون هناك حيلة أخرى من حيل أبيها التي لا تنتهي. ولفتت انتباهها ملفات فارغة سمي كل منها بحرف واحد وقد صُفَّتْ الملفات في أعمدة خمسة.
أمسكت بورقة وقلم وكتبت الأحرف التي كتبها أبوها على اللابتوب كأسماء ملفات فتشكل لديها أعمدة خمسة بهذا الشكل:
N O T A D E |
C A P L E |
S Û R |
V I R A T E |
D O C E |
لم تعد تستغرب، فأبوها قد قضى على هذا الإحساس لديها فلم يعد يفاجئها شيء في الحياة. أحست بحركة في داخل البيت، وبسرعة البرق أخفت الورقة وحذفت تلك الملفات المخفية، وفعلًا لم تمض لحظات حتى اقتحم عليهم رجلان مسلحان المكتب. أبدت حنين خوفها منهما، وارتعدت فرائص عمر فعلًا عندما رآهما، فهو يعرف أن هؤلاء غالبًا هم نفسهم الذين كانوا يسعون وراء صديقه أسعد.
قال أحدهما بلهجة عربية متقنة، لا توحي بها ملامحه:
- لو سمحتما ودون عنف أريد اللابتوب.
قالها وهو يوجه إليهما المسدس مباشرة وكأنما أراد أن يرعبهما بذلك.
ناولته حنين اللابتوب وهي تتصنع هيئة الخائف المستسلم تصنعًا يليق بممثل.
وما إن تناول الرجل اللابتوب حتى خرج رفقة صاحبه من الدار بسرعة البرق إلى المطار فقد جُهِّزَت طائرة السفير الشخصية لرجوعه إلى أمريكا.
انطلقت حنين يتبعها عمر لا يدري ما تصنع به هذا الفتاة، إلى مخفر الشرطة للتبليغ عن السرقة وتسجيل أوصاف السارق.
لقد لامها عمر بأن ليس مثل هؤلاء من تُبلَّغ عنهم الشرطة! لكنها ردت عليه بأن هذا جزء من الخطة.
وعندها جن عمر، فهو عندما كان صديقه حيًّا كان يجننه بخططه تلك ويقوده كالأعمى وراءه لا يفهم شيئًا، وها هو الآن يرى ابنته نسخة كربونية منه، فعلًا من شابهت أباها فما ظلمت.
ونعود بالقارئ إلى وقت سابق عندما كان حنين وعمر في رحلتهما للعودة فنقول بأن العميل جورج أمر عناصره بدخول بيت حنين وزرع أجهزة تنصت لمعرفة ما حدث معهما في رحلتهما، وفعلًا دخل العناصر البيت باحترافية قَلَّت مثيلاتها، وزرعوا أجهزة تنصت صوتية عالية الدقة بحجم حبة أرز. وهكذا عرفوا عندما عادت حنين بأنهم استطاعوا فك شيفرة اللابتوب. ثم أمرهم جورج بأن يدخلوا ويأخذوه دون أي عنف، فهم لا يريدون لفت انتباه أي أحد وبالأخص أجهزة الاستخبارات الأخرى التي سترى في هذا البرنامج كنزًا وفرصة لا تعوض.
وقد أدركت حنين هذه الخطة، لأنها الوحيدة المرجحة لمعرفتهم بفك شيفرة اللابتوب، ولأنها رأت بعض الكتب قد زحزحت في مكتبة أبيها، إضافة إلى السجادة الصغيرة الموضوعة على عتبة الباب، فعادت إلى المنزل بعد إبلاغها عن السرقة المسلحة، وقد اتفقت مع عمر بأن يمثلوا دور المفجوع وفاقد الأمل على خسارتهم اللابتوب والإتيان على ذكر إبلاغ مخفر الشرطة، لأن حنين كانت متأكدة من أن أباها لم يخفي البرنامج في اللابتوب، فتلك الملفات على سطح المكتب لم تكن لتوجد عبثًا، وإنما كانت هذه كلمات مشفرة باللغات الخمسة التي يعرفها أبوها، وهي كالآتي:doce تعني التعليم باللاتينية وهي ترمز إلى «شيفرة» إن غيرنا ترتيبها لتصبح code.
s û r تعني متأكد بالفرنسية، وهي ترمز إلى «على» إن غيرنا ترتيبها لتصبح sur
virateتعني الأدوار بالإيطالية وهي ترمز إلى «الحقيقة» إن غيرنا ترتيبها لتصبح verita.
Nota de تعني «ملاحظة من» بالإسبانية وهي ترمز إلى «يدل» إن غيرنا ترتيبها لتصبح denota.
capleتعني «الكبل» بالإنجليزية وهي ترمز إلى «المكان» إن غيرنا ترتيبها لتصبح place.
وبهذا تتشكل لدينا جملة «المكان يدل على الحقيقة» وكون الحاسوب كان في غرفة مزيفة في هرم خوفو فهو أيضًا مزيف.
فصعدوا إلى الدار ومثلوا دورهم أحسن تمثيل، واقتنع العميل جورج بأنه انتقم لإخفاق عميليه واستطاع الرجوع غانمًا إلى مرؤوسيه.
سألها عمر بعد أن خرجوا من البيت وركبوا في السيارة:
- وكيف عرفت بأن البيت مراقب؟
- السجادة الصغيرة على عتبة البيت قد تحركت، وبعض الكتب أيضًا كذلك.
- ولماذا لم تهربي من البيت؟
- لأن الهروب لا يعني شيئًا، سيعودون لملاحقتنا.
- ألن يعودوا لملاحقتنا إن هم وجدوا اللابتوب فارغًا بدون البرنامج؟
- ومن قال إنه ليس هنالك برنامج فيه.
نظر إليها، وهو لا يعرف ما يقول:
- نعم برنامج ذاتي التدمير، فبمجرد أن يفتحوه ويجربوه لأول مرة سيدمر الكود نفسه.
- ومن قال لك هذا؟
- منذ أن رأيت الملفات عرفت بأن هناك خدعة، فأبي ليس بحاجة إلى حركات كهذه إن كان اللابتوب يحوي البرنامج الأصلي. فقد أرسلت الكود إلى أحد الدكاترة وقد حلَّله، وقد أبلغني بالنتيجة هذه.
- والملفات التي على سطح المكتب، بالطبع حذفتِها، فمن عرف كل هذا لن ينسى شيئًا كهذا!
- طبعًا حذفتها عندما أحسست بقدومهم، بعد أن نسختها على ورقة -تلك التي كنت أعمل عليها في أثناء قيادتك إلى المخفر- فالأعمدة الخمسة تشير بوضوح إلى اللغات الخمسة التي يجيدها أبي، فما كان بي إلا أن ترجمتها لأجدها لا تعني شيئًا مترابطًا، وإن كان هناك بعض الكلمات التي تشير إلى أشياء سببت لي لَبْسًا. أحدها كان «ملاحظة من» فقد ظننت أن أبي يشير إلى ملاحظة ما.
- وكيف اكتشفتِ أخيرًا أنها ليست كذلك؟
- هل تعلم أن أبي بدأ يكرر نفسه قليلًا في استخدام الشيفرات، فهو فعلًا مهووس بالجناس التصحيفي، فكل الشيفرات التي تركها كانت على هذا النسق، ولم يكن صعبًا عليَّ أن أعيد ترتيبها لتعني شيئًا آخر، وهو ما رأيت.
- وأين البرنامج الأصلي إذًن؟
- هذا ما لم أحط به علمًا إلى الآن.
- وما هي الخيارات المتاحة؟
- بالطبع ليس هاتفه وليس حاسوبه الشخصي!
- لماذا؟ لأنه أول ما سيُشك فيه، ألم تر أنهم عندما قتلوه لم يأخذوا الهاتف منه، والآن لم يطلبوا مني حاسوبه الشخصي، أبي من المستحيل أن يفعل خطوة متوقعة كهذه.
- ما الذي تبقَّى إذًن، إن لم يكن حاسوبه الشخصي أو هاتفه؟
- لا أدري، سأفكر قليلًا..
راحت حنين تفكر كأنها والدها، فسألت نفسها «ما هو المكان الذي كان أبي ليبحث عنه ليضع فيه سره وبرنامجه؟»، وأيقنت بأن أباها لم يكن أبدًا ليأمن أن يضع سره وجهده الكبير في يد غير يده، ولن يضعه إلا في مكان يراه كل يوم. فلا بد أن يكون في مكتبه، الذي لم يكن يجلس إلا فيه.
صرخت من هول المفاجأة:
- عد إلى البيت!
فقفل راجعًا إلى البيت.
في المكتب ظلت تبحث بين الرفوف وخلفها عن أي جهاز إلكتروني. فتحت الأدراج وجربت كل الأجهزة التخزينية من دون جدوى. وقفت هكذا حائرة في منتصف الغرفة وهي تحرك عينيها في محجريهما، وإلى جانبها يقف عمر بلا حراك. وعندما وقعت عينها على اللوحة التي تقع فوق الكرسي الذي كان أبوها يجلس عليه، تذكرت قصة هذه اللوحة وأن أباها أحضرها مؤخرًا ورسمها بيده، فارتابت بأمرها، وشكَّتْ في حقيقة أنها مجرد أرقام لا معنى لها، فأبوها ليس من هذا النوع. أمسكت باللوحة وأنزلتها من الحائط. تمعَّنت في الأرقام، وراجعتها في ذاكرتها. هذه ليست أرقامًا سعيدة وليست أرقامًا نرجسية، ولا حدودَ من حدود متتالية فيبوناتشي، وليست أعدادًا مثالية، ولا أعداد مونشهاوزن. تذكرت طريقة علمها إياها أبوها في حل الأرقام وتشفيرها بطريقة بسيطة جدًّا عندما كانت صغيرة؛ فأمسكت بهاتفها وفتحت لوحة الأرقام في الهاتف، وراحت تبدل الرقم بالأحرف التي تتبع لهذا الرقم وكانت الأرقام هي كالآتي: 3818221327AR.
فعرفت أن الأحرف عربية برمز Ar، ومن ثم فإن قراءة الأرقام ستكون من اليمين إلى اليسار.
7 يقابل الأحرف (ن هـ وي)، والرقم بعده هو 2 فإنه يشير إلى الحرف الثاني هاء.
و3 يقابل الأحرف (ا ء)، والرقم بعده هو 1 فإنه يشير إلى الحرف الأول ألف.
ورقم 2 يقابل الأحرف (ب ت ة ث) والرقم بعده هو 2 فإنه يشير إلى الحرف الثاني تاء.
و8 كان يقابل الأحرف (ف ق ك ل م) والرقم بعده هو 1 فإنه يشير إلى الحرف الأول فاء.
وأخيرًا 8 كان يقابل الأحرف (ف ق ك ل م) والرقم بعده هو 3 فإنه يشير إلى الحرف الثالث كاف،
وهذه الأحرف تشكل كلمة «هاتفك».
خرجت دون أن تهمس بحرف لا هي ولا الدكتور خوفًا من أن يسمع أحد ما يقولانه، وعندما خرجا شرحت حنين للدكتور كيف استطاعت حل لغز اللوحة.
أعطت حنين هاتفها للدكتور مصطفى صديق أبيها في علم البرمجيات، فبحث فيه عن الكود فوجده وحاول باستخدامه اختراق شبكة الـ CIA، فنجح بتحميل بيانات كثيرة وأرسلت حنين هذه البيانات إلى أغلب الصحف المحلية والعالمية.
أمريكا، واشنطن
دخل العميل جورج إلى مبنى الاستخبارات بعد أن اجتاز الإجراءات الأمنية المعتادة والمقيتة. أعطى الحاسوب للقسم الفني، ليعملوا عليه، وخرج إلى مديره يبشره بانتصاره في هذه المهمة، وكم كانت سعادة المدير أيضًا، وأمل كلاهما في الترفيع من الجهات العليا عندما يعلمون بانتصارهم وحيازتهم لهذا السلاح الذي سيجعلهم على اطلاع على جميع حركات أعدائهم ومتقدمين عليهم بخطوة دائمًا إن لم يكن خطوات.
وفي حين كانوا يتناقشون جاءه خبير القسم التقني ليطلعه على عمل الكود، ويجربه على نظام دفاع أمني وهمي. وعندما همَّ الخبير التقني بتشغيل البرنامج، فإذا بالحاسوب يعيد إقلاع نفسه، وبعد أن استقر سطح المكتب لم يجد أحد البرنامج. جن جنون الخبير التقني، وراح يبحث كالمخبول كمن فقد ابنه في شوارع نيويورك الواسعة عن ذلك البرنامج، ولم يجده، وأقسم للمدير أنه لا يعرف ما يحدث فهو جربه منذ لحظات وكان يعمل بكفاءة مُثلى، لكن الآن هناك ما حدث وهو غير قادر على استيعابه.
وفي أثناء تلك الزوبعة التي خلقها فقدان البرنامج، رن هاتف المدير، لم يكن ليجيب لولا أن الرقم الذي ظهر على الهاتف لا يمكن أن يترك بدون رد؛ فها هو الرئيس يتصل به. فعلم أن مصيبة جديدة قادمة في طريقها إليه.
- نعم سيدي!
- أيها الأحمق، لقد فُضِحنا في الجرائد، أصبحت أكثر وثائقنا سرية بين يدي العامة يقرأها الصغير قبل الكبير. ألم أكلفك بإحضار هذا البرنامج اللعين؟!
- سيدي نحن أحضرناه، وها هو التقني يجربه بين يدي.
- إذن، فإنك إما أن تكون قد خُدِعْتَ أو وصل إليه أحد قبلك أيها الغبي، وفي الحالتين لم يعد ينفعنا شيء سوى أن نقلل من خسائرنا التي أظنها ستكون أكبر خسارة لنا طوال فترة تأسيس هذه المؤسسة.
- سيدي..
ولكنه لم يسمع مجيبًا لكلماته، فقد كان الطرف الآخر قد أغلق الهاتف.
أمر التقني أن يحل المشكلة؛ لكن التقني قال بصوت يرتجف:
- أخاف يا سيدي أنه فات الأوان!
- ماذا تقصد ب «فات الأوان»؟
- إن البرنامج يستحيل أن يكون هنا.
صرخ في وجهه بكل ما أوتي من حَنِقْ يطرده من المكتب، وأُمِر جورج بأن يبدأ بتشكيل فريق لمكافحة كل الأخبار التي تنشر أي شيء فيما يتعلق بوثائقهم السرية.
سورية، دمشق
عادت حنين إلى بيتها، ودخلت مكتب أبيها. انهارت على الكرسي وأرخت لعينيها العنان فراحت تبكي أباها...
وبينما هي على هذه الحالة، اتصل بها الدكتور مصطفى وقال لها:
- نسيت أن أخبرك بأن في الهاتف نصًّا مخبَّأ إلى جوار الشيفرة.
حاولت إخفاء صوت البكاء من صوتها ما أمكنها إلى ذلك سبيل، وأعقبت:
- حسنًا سأطلع عليه، ولكن ماذا فعلت بالبرنامج؟
- فعلت كما طلبتِ، فقد نشرته على جميع مواقع الإنترنت.
- وحسنًا فعلت.
أنهت المكالمة وهي تتحرق شوقًا لقراءة ما كتبه والدها. فتحت الملف وبدأت القراءة:
«يا صديقتي، الآن وفي كل الأحوال سأناديك بهذا اللقب، ليس لشيء سوى أنك أحببته، ولا شيء في الدنيا أقرب إلى قلبي منك إلا الشيء الذي يسعدك. لقد كنت لي كل شيء، ابنةً وأختًا وأمًّا، فبعد أن فقدنا أمك، ملأت أنت ذلك الفراغ الذي خلفته وراء موتها، فكنت أنت من يواسيني لا أنا من أواسيك، وقد اعتنيت بك عناية أراها الآن تتجلى فيك. أما وإنك تقرئين هذا، فاسمحي لي أن أعزيك وأواسيك على فقداني، يا صديقتي؛ العلم ليس بالشيء السهل، وقد دفعت ثمن علمي، بالأخص وأنا لم أرضخ لطلباتهم، وإلا فإنك قد كنت ترينني إلى جانبك أعيش حياةً مترفة بل ومفرطة بالترف، لكني أقولك لك، ذلك لم يكن ليصبح عيشا، فلم أكن لأحيا وقد طعنت أمتي، ولم تكوني أنت عندها فخورة بأبيك.
أما وإني سأوضح لك ما التبس عليك فهمه فيما سأصير إليه، إني لأعرف أنهم يراقبونني، وأنهم يخافون أن أنتهي من برنامجي وأبيعه لغيرهم من الأجهزة المخابراتية، ولكني لم أكن أريد بيعه لأحد، وعندما عرفت أني تحت أعينهم، عجلت في عملي، لأني خفت من أن أُقتل قبل أن أنهي ما ابتدأته، وكان تشفيري للبرنامج وإخفاؤه يسير جنبًا إلى جنب مع تقدمي في البرنامج، وقد وضعت خطة محكمة، فتسلحت لأدافع عن نفسي وعنك، ووشمت نفسي، ورسمت لوحة الأرقام تلك التي هتكتِ سترها الآن بمعرفتك لمعناها، وعقدت العزم على وضع سري المزيف في الهرم الكبير، قد تسألين لماذا؟ أولًا لأني عرفت بأنهم سيلاحقونك إن بدر منك أي شيء يدل على أنك بدأت في متابعة سري، لذلك أردت أن أوهمك وإياهم، وها قد انطلى عليهم، ومن ثم فإني اخترت الهرم على التحديد، لأنه كان -وما زال- يعجز العلماء عن فهمه، وما زال شاهدًا كبيرًا شامخًا على براعتنا واتقاد عقولنا، فأردت أن يعجزهم الهرم كما أعجزهم في سابق أوانه، أما عن سؤالك لماذا لم أهرب، فإني لا أزيد على مقولة سيدنا عمر بن الخطاب (نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله).
وفي حفل تخرجك، كنتُ قد انتهيت من مشروعي، فأعطيتك الهاتف هديةً، تتضمن أهم أعمالي، وربما أخطرها، لأني لا أجد من آمَنَهُ عليه أفضل منك، وقد كنت على وشك استخدام البرنامج قبل أن يصلوا إلي، لكن عميلًا للمخابرات الروسية، قد جاء وفاوضني على بيع هذا البرنامج، لكني رفضت، وأحسست بأن ساعة المنية قد دنت، فعندما سيعلم الأمريكان بأن الروس يسعون في السبق، فهم على الأقل سيتخلصون مني، لكي يحموا أنفسهم من أن يقع برنامج كهذا في أيد غير أيديهم، ولذا كتبت لك هذا وسأرسله إلى هاتفك دون أن تشعرين.
وإنه ليعزيني أنني أمتلك ابنة مثلك، وإنه لأجمل عزاء...
إلى اللقاء يا صديقتي... صديقك».